|
|
|
|
|
المسافة بين الكواسر والمُستأنَسين
بقلم/ دكتور/د.عمر عبد العزيز
نشر منذ: 10 سنوات و 7 أشهر و 25 يوماً الخميس 17 إبريل-نيسان 2014 10:05 ص
القراءة الحيوانية للعوالم البشرية ذات صلة بعيدة الغور بالآداب والممارسات الإنسانية القديمة، منذ الطواطم الأولى التي كانت تُمثل قيمة روحية ودلالية وميتافيزيقية، في حياة البدائيين الذين تأسُّوا بالأنواع الحيوانية التي يعرفونها، وخاصة تلك الأنواع ذات الفائدة الكبيرة في حياتهم كالأبقار والضباء والغزلان. كما لجأ البعض الآخر إلى تعويذات خرافية مقرونة بالحيوانات الغامضة وغير الأليفة، سواء كانت من جنس الطيور المفارقة لسلوك ومكونات الطيور كالخفافيش، أو من جنس البرمائيات المُرعبة كالتنانين، أو من جنس الجوارح الكاسرة كالصقور الجبلية، أو من جنس البرمائيات المألوفة في بيئة المياه الكثيرة والخيرات الوفيرة، كالتماسيح التي كان لها مكانة مقدسة عند قدماء المصريين. وسنرى أن علاقة الحيوانات بالبشر تتخطَّى الأبعاد الماورائية الخيالية إلى مناطق أكثر جذرية في تماسها المباشر مع حياة الناس، سواء على المستوى الصحي، أو الغذائي، أو الدوائي، وحتى السلوكي والنفسي، والشاهد على ذلك ما يذهب إليه العلامة ابن خلدون في مقارباته المُبكرة والمُتفردة حول تشابه البشر مع الحيوانات في البيئات المتشابهة، فحيوانات المدن الأليفة الكسولة كثيرة الاعتلاف، تُشابه سكان المدن المترفين المُنعَّمين، ويتشاركان معاً في الدعة والهدوء، وقلة الحيلة، والضعف الجسدي، وبالمقابل تتشابه حيوانات البراري مع سكان البراري الموصوفين بالذكاء والحذر والحذق، والقدرة على الكر والفر، والرشاقة المقرونة بالقوة الجسدية، ولا أدل على ذلك من التقليد العربي القديم عندما كان العرب يرسلون أبناءهم المولودين إلى المُرضعات في البادية، لينمو الطفل في بيئة تمنحه القوة وسرعة البديهة والشجاعة، ومن المعروف في سيرة الرسول الكريم محمد (ص) أن أبويه أرسلاه إلى المرضعة حليمة السعدية في طفولته، ومن تلك الطفولة تشرَّب كامل القيم المرتبطة بالقوة الداخلية والخارجية.
وقد تأكد حقاً أن سكان البوادي يتمتَّعون بصحة قياسية، لأنهم يأكلون من تلك الدواب التي تقتات على الأشجار الدوائية الصحراوية والجبلية، في بيئات تخلو من الرطوبة والملوحة، وتتَّسم بالجفاف والتقلُّبات المناخية اليومية بين ساعات الليل والنهار، وقد ثبت علمياً أن تلك البيئة تعتبر من أحسن البيئات المقرونة بالأنماط العشبية، والزهور والنباتات الدوائية التي تأكل منها الجمال والأغنام، لتصبح تلك الحيوانات مصدراً مستديماً لصحة آكليها وشاربي حليبها.
Omaraziz105@gmail.com
|
|
|
|
|
|
|
|