سوف تظل التنمية الثقافية والتوعية المجتمعية الوسيلة الأولى والأهم في عملية إعداد وتأهيل الإنسان الواعي المقتدر على مواجهة كافة المسؤوليات ومعالجة كل التحديات وفي المقدمة من ذلك المشاركة الإيجابية في كافة القضايا والأمور الحياتية وعلى الأصعدة الشخصية والعامة في نطاق الآسرة والمجتمع والدولة عموما وبحيث يكون دائماً بمنتهى الوعي بالتكاليف والفهم لتوظيف القدرات فلا يكون عالة ولا عضوا سابتا أو أشلا وبمقياس المرحلة التي نعيش فيها والظروف المحيطة بها أن يكون على مستوى الجاهزية والاستعداد للمشاركة ولو بدور محدود وحسب المستطاع في إنجاز ما تبقى من مهام المرحلة الانتقالية ويكون عنصرا فاعلا في بنية الاصطفاف الوطني والامتثال لتنفيذ مخرجات مؤتمر الحوار الوطني الشامل وكما يتطلع إليها الجميع واستثمارها في الوقت المحدد لها بكل الصدق والإخلاص وبأكمل ما تستدعيه واجبات الالتزام والوفاء
نقول ذلك لأننا نؤمن بأن التنمية الثقافية والتوعية المجتمعية كانت وستبقى بالنسبة لكل المجتمعات الإنسانية سبيل امتلاك الإنسان فيها للوعي الوطني الصحيح وللمعلومات العامة و الأساسية الصحيحة و في المعرفة الحياتية المتكاملة (( ما هو المطلوب وما يجب ويلزم أن يكون؟ ))
وفي سؤال الفلسفة العلمية ومسألة مسؤولية الوجود والحياة (( ما العمل ؟ )) بعد امتلاك الرؤية والمقدرات المطلوبة للعمل وتحسين الخدمات ومضاعفة الإنتاج فضلا عن سبل التواصل بالآخر وبالمجتمع
حيث لا معنى لكل مراحل الدراسة في التربية والتعليم إذا لم تحقق هدف الإنسان المثقف الواعي والقادر على تحمل المسؤوليات بعد انتهاء المرحلة الأساسية من التعليم المسمى بالأساسي والمرحلة الجامعية وما يوازيها بصورة شاملة بما فيها التخصصات المهنية والفنية عصب الحياة الزراعية والصناعية والإنشاء والمقاولات إلخ .
والتنمية الثقافية والتوعية المجتمعية كما هي مطلوبة في نطاق التعليم فهي واجبة حتما تجاه المجتمع ككل وهذا يستدعي الإجابة عن سؤال مهم حول قدرة الدولة على جعل كافة المؤسسات الثقافية الرسمية وغيرها قادرة على تحقيق هدف بناء الإنسان المثقف (( الواعي والقادر )) الإنسان الذي يتمتع بذهنية متجددة ومستوعبة لكل ما يتلقاه ومسلح بالمعارف الأولية العامة وطنيا وقوميا وإنسانيا وبمجرد التواصل اليومي بالوسائل الإعلامية الوطنية الرسمية وغيرها فضلا عن ما يحصله في المراحل التعليمية وكافة الجهود التربوية في البيت الخلية الأساسية للمجتمع كما في المؤسسة التربوية والتعليمية وفي قلب المجتمع وتأثيراته الحتمية (( البيئة كمؤسسة تربوية حاكمة وغير منظمة ))!.
إننا نشير بذلك لمحصلة خلق الوعي الوطني المستنير في نطاق المجتمع كله و الذي هو جوهر القوة المعنوية لدى الإنسان وفي تكوين شخصيته والدفع بها نحو الاكتمال الذاتي والمجتمعي وهو ما نلمسه اليوم في جيل واسع من الشباب الذين حظيوا باجتياز مراحل التعليم بمعارفهم كما بمدركاتهم وبما يمتلكونه من وعي صحيح بالتكاليف والواجبات والحقوق وحقيقة المسؤوليات التي تنتظرهم في استنارة وطنية واحدة إذا صح الاستنتاج وإن كانت متفاوتة بحكم عوامل أخرى مؤثرة أيضاً ومنها الجهود الذاتية في اكتساب المعرفة وما يسمى بالتثقيف الذاتي والاستجابة للميول النفسية والمواهب والملكات الخاصة المكتشفة وذلك من أخطر الأهداف التي يتعين أن تركز عليها برامج التنمية الثقافية في الاتجاه الذي يتمثل المستقبل ويستهدفه ومن واقع تمثل معطيات الحاضر وما يجب مواصلة العمل فيه .
وذلك يعني أيضاً أن تسهم التنمية الثقافية بصورة مباشرة في جعل الإنسان في بلادنا إنسانا سويا مقتدرا ومسلحا بعقيدته الدينية الصحيحة وانتمائه الوطني الراسخ والعميق وهويته الوطنية الناصعة البيان والوضوح ومستوعبا لمعطيات الأحداث والمتغيرات إن لم يكن مسهما بصورة أو أخرى في صنعها ويكون دائماً في أهبة الاستعداد للتفاعل والمشاركة الإيجابية في خدمة القضايا الوطنية والقومية والإنسانية لأنها في حد ذاتها تكون المحرك الأول لمقدراته في بذل المستطاع وأكثر من ذلك مع توفر الحماس المطلوب والتوجيه والتشجيع بل والتحريض على النبوغ والتميز والبذل والفداء إذا اقتضى الأمر وهذا يعني الإنسان الذي تكون صرخته (( لبيك )) عند كل داعٍ مهم !!!إن لم يكن المبادر أولا ?.
ولا بد في ضوء ذلك من التركيز على الأهداف والمهام المرحلية التي يتعين توظيف وتسخير كل القدرات والطاقات من أجلها وبرمجة تحقيقها كما هو الحال بالنسبة لمخرجات مؤتمر الحوار الوطني الشامل والتي هي أمس حاجة اليوم بالتثقيف بها على صعيد المجتمع كله وتوسيع قاعدة التوعية بها وبكل البرامج والخطط التنفيذية المتعلقة بها وتكاد تكون هذه الغاية الوطنية العظيمة هي جوهر ما تهدف إليه هذه اليومية من تناول موضوع التنمية الثقافية والتوعية المجتمعية ودور الإنسان الواعي المقتدر في مرحلة الوفاق الوطني وما بعدها.
إذ لا يمكن الوصول إلى النجاح المرضي عنه بدون السير في هذا الطريق واعتماد هذه الوسيلة العلمية والعملية نعني بالتنمية الثقافية المنظمة والمتناسقة مع نشاط التوعية المجتمعية في كل الجهود المبذولة غير المرتجلة وغير العشوائية كما نراها اليوم حيث كل وا حد (( يدخن من رأسه !! ))المراد المعنى السلبي من هذه الجملة.
نعم إن التوعية المجتمعية كحصة ثقافية أساسية أشبه ما تكون بمقدمة الواجب في كل حقول وميادين العمل والإنتاج وأداء الخدمات باعتبار الثقافة أداة التشكيل الروحي والمعنوي للإنسان الواعي والمقتدر على القيام بالمهام والمشاركة في تحمل المسؤولية وأن عمليات التوعية التي يتلقاها الإنسان هي التي تمكنه من أن يضاعف من معارفه الأساسية المتجددة بالنسبة لهذه القضية التي نحن بصددها(( البرامج والخطوات التنفيذية لمخرجات مؤتمر الحوار الوطني )) باعتبارها الرؤية الوطنية المجمع عليها لكل الإصلاحات المطلوبة في هذه المرحلة والمطلوب حتما توظيف كل المقدرات والطاقات في سبيلها فهما واستيعابا وإنجازاً وإبداعا.
وختاما لا بد من التأكيد على أهمية الإنفاق بسخاء لاجتراح هذه المعركة التثقيفية ولمجمل النشاط التوعوي المرتبط بها وبشراكة مسؤولة من قبل الدولة والحكومة ومؤسسات المجتمع المدني وفي المقدمة القطاع الخاص مع علمنا علم اليقين بأن الازدهار الثقافي عموما في المجتمعات المتقدمة هو من صنع وإبداع القطاع الخاص وباقتدار المؤمنين بالعلم والمعرفة والثقافة في بناء الشخصية السوية المعطاءة وفي صنع الحضارة وأن قيمتها تتأكد في أنها أيضا تحصين للذات وتنمية لها ولمقدراتها بشكل متواصل مثلما تمكن الإنسان من امتلاك الأسلحة التي يواجه بها مسؤولياته والتمتع بالحقوق والحريات الخاصة والعامة والمساعدة المباشرة في أداء الواجبات الدينية والوطنية على حد سواء والتفاعل الناضج مع القضايا القومية والإسلامية والإنسانية فضلا عن صقل ما لديه من قدرات مغالبة التحديات التي تعترض مسيرته بل ويدافع بها ويذود عن نفسه وحياض وطنه وأمته ورسالته في الحياة !.