مادمنا بصدد ثقافة المراجعة والاستعادة العاقلة لحكمة الماضي، لا بأس من الإشارة إلى التجربة الآسيوية الفريدة في هذا الجانب، وخاصة في الصين المعاصرة التي انطلقت من هذا المفهوم، لتقدّم نموذجاً مغايراً لمألوف النماذج السياسية والاقتصادية في العالم، فقد انطلقت الصين من رؤية الحكيم الصيني «صن تسو» ذلك الذي علَّم الصينيين فنون إدارة الحرب دون خوضها، ومعنى القوة الناعمة الاختراقية، وكيف يعيدون إنتاج الماضي بكيفيات مستقبيلة.
ذلك ما ألهم أيضاً «ماوتسي تونغ» ورفاقه ممن تمثَّلوا نظرات الحكيم الحاضر في جوهر فلسفة «التاو» الصينية، واستطاعوا بذلك دحر أعتى قوة اقطاعية عالمية مُدجَّجة بالمال والسلاح، من خلال إدارة فن الحرب المُغاير لمألوف الحروب التقليدية، كما كانت تلك الحكمة دالة مؤسّس الإصلاح الكبير «دينغ تسياو بنغ» الذي اختطَّ طريقاً سالكاً لصين جديدة لا تُجافي ماضيها، ولا تُقيم في مرابعه إقامة المسترخي الكسول.
أذكر في هذه المناسبة تلك التميمة السحرية الخطيرة التي كتبها «ماوتسي تونغ» بعنوان «6 مقالات عسكرية» ووضح فيها كيفية خوض الحرب غير المتكافئة مع قوات الكومنتانج، مع ضمان النصر رغماً عن فارق القوّة.
تالياً وبعد سنين طويلة تيقَّنت أن «ماوتسي تونغ» لم يكتب تلك الوصفة إلا بعد اطلاع مًستسبر لكتابات الحكيم «صن تسو» القديمة واستجلاء ضمني للميزات النسبية التي قد تتوافر عليها قوة صغيرة منظمة.
التجربتان الصينية والأوروبية جديرتان بالنظر والملاحظة، فالعرب مازالوا بعيدين عن فن التعامل العاقل مع معلومات التدوين والإرشيف، وهم في أمس الحاجة لذلك في ظل المعطيات المترجرجة في العالم المعاصر، خاصة أن العرب يتموْضعون في النقطة الأكثر حرجاً في معادلة المُتغيّر العاصف الذي يحيق بالعالم.
Omaraziz105@gmail.com