استنتجنا من حديث الأمـس في هـذا الحيّز أن سقـوط تنظـيم القـاعدة وتجفيف منابعه سيلقي بآثاره الإيجابية على عـديد المشـكلات والتحديات التي ما يزال بعضها قائماً حتى الآن.
وفي هذه السياقات التي آلت إليها التطورات على جبهتي التسوية السياسية والنجاح في ضربات الإرهاب يمكن تسجيل مواقف بعض قوى الحراك الجنوبي التي عبّرت عن تأييدها واصطفافها مع هذا التوجّه الحازم، باستثناء موقف علي سالم البيض الذي أعاد إنتاج نفس الخطاب المُطالب بالانفصال.. وهـو على عكس مواقف بعض الشخصيات القيادية الجنوبية كما ظهر ذلك جلياً في الموقف الجديد الذي عبّر عنه المهندس حيدر أبو بكر العطاس «أول رئيس حكومة بعد الوحدة 1990م» الـذي أعلـن تأييده لخيارات التسوية وقولـه «إن مخـرجات الحوار يمكن لها أن تؤسّس حلاً لمجمل قضايا اليمن الشائكة ..ومنها القضية الجنوبية..».
وعلى أية حال فإن تياراً واسعاً من حاملي راية القضية الجنوبية قد انضمّوا عملياً إلى خيارات التسوية للقضية اليمنية برمّتها – ومنها القضية الجنوبية - انطلاقاً من القناعة بأنه لا خيار أمام اليمنيين غير إعـادة البناء على أسس صحيحة وبصورة تتجاوز سلبية الماضي وعلى نحـو يعيد التوازن لمشروع الكيان الواحد “سياسياً” في ضوء مخرجات الحوار الوطني وتأييد الأسرة الأممية لجهود إعادة بناء مشروع الدولة اليمنية القائمة على معايير العدل والحرية والمساواة والحكم الرشيـد.
إن المواقف المتباينة في آراء بعض قيادات الحراك إثر الحسم العسكري تجاه بؤر الإرهاب في بعض المحافظات وتفكيك بعض شبكات هذه العصبات يمكن له أن يعيد ترتيب الأولويات أمام طاولة هذه القيادات.. وأن الخيار الأنسب هو الاصطفاف من أجل ترجمة مخرجات مؤتمر الحوار بدلاً عن تقويض هذه العملية السلمية من خلال اعتماد وتكريس خط التشدّد الذي قد يجد تأييداً محدوداً من بعض دول الإقليم، لكنه سيفشل بالتأكيد أمام تجليات مشهد التحوّل السياسي الذي تعيشه التجربة والمؤيد باصطفافٍ داخليٍ ودعمٍ خارجي غير مسبوق.
ولاشك أن هـذا المنطق الحكيم هو ما عبّرت عنه مواقف الرئيس عبد ربه منصور هادي لإدارة هذه المسألة وعديد الملفات الشائكة في الأزمة اليمنية خلال هذه الفترة الانتقالية.. وعلى نحو أكد بعد النظر الذي تتحلّى به هذه الشخصية القيادية والرؤية الثاقبة لأبعاد ومخاطر تلك التحديات واعتماد أنجع السبل لمحاصرتها والتخفيف من انعكاساتها السلبية على وحدة وتماسك المجتمع قبل التوصل إلى معالجات جذرية لتجفيف بواعث تلك المشكلات التي ظهرت على السطح وفي أكثر من منطقة جراء السياسات الخاطئة في الاستحواذ على سلطة القرار ودبلوماسية الإقصاء خلال الفترات السابقة والتي أثرت بشكل سلبيٍ على مضمون الوحدة وألقت بظلالها الكئيبة على مجمل محاولات إعادة البناء، لكن ثمة جهوداً وطنية مخلصة ودؤوبة لتقريب وجهات النظر، خاصة مع قيادات الحراك المسلح من أجل استكمال قيام منظومة الدولة اليمنية الحديثـة.
غـداً: الحوثيون ومتغيرات المشهد الراهـن.