لم يعد من السهل تجاهل أجواء التصعيد والتوتر التي يشهدها اليمن الجديد الذي تشكل بموجب المبادرة الخليجية عقب الأزمة السياسية التي طالته بدايات عام 2011م في اطار ما عرف ب (الربيع العربي) حيث تكشف الأحداث أن هذا البلد مازال يدور حول نفسه ويعيد إنتاج صراعاته وانقساماته وتوتراته في حركة مكررة أخفق السياسيون في استيعاب مخاطرها وتداعياتها على مستقبل وطنهم الذي تتنازعه مستويات متعددة من الصراعات السياسية والجهوية والقبلية والمذهبية والطائفية وغير المتماثلة إلى جانب أعمال الإرهاب لتنظيم القاعدة ومعارك الحوثيين التي تتفجر في أكثر من منطقة لتتعدد فيه مشكلات الأمن التقليدي وغير التقليدي وتفشل فيه معظم إن لم تكن كل المحاولات الهادفة إلى إعادة ترتيب الأوضاع السياسية والاقتصادية والأمنية بمسمياتها المختلفة.
لقد علق الشعب اليمني آمالاً عريضة على النتائج الإيجابية التي حققها مؤتمر الحوار الوطني والذى استطاع أن يقدم إطاراً نظرياً لأسس دولة يمنية حديثة ومستقرة إلا أن ما بدأ واضحاً بعد خمسة أشهر من ذلك الحوار ان تلك الدولة التى رسمت ملامحها مخيلة السياسيين لا يمكن التأسيس لها والمضي في تشييد أركانها في ظل الحجم المهول والمخيف من المشكلات والتوترات والاضطرابات والمظاهر المقلقة التى يعاني منها الواقع اليمني وهي تركة ثقيلة يصعب حلها من خلال مؤتمر حوار أو التغلب عليها بنقل السلطة من رئيس سابق إلى رئيس جديد أو تجاوزها بمسكنات وقروض البنك الدولي والدعم السياسي من قبل مجلس الأمن الدولي الذي جعل اليمن تحت الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة وهو ما يعني معه أن ثمة خطأ بالغ في تقدير القوى السياسية والحزبية والنخبوية التي شاركت في مؤتمر الحوار لحجم الإشكاليات والعوامل التي تقف في طريق الانتقال إلى الدولة المدنية الحديثة أو ان هذه القوى التي بنت تصوراتها بفعل اعتبارات الضرورة أو الواقع أو المصلحة أو الطموح لم تمنح الفرصة لاستقراء الأوضاع بشكل صحيح وبما يمكنها من اكتشاف مواطن الخلل وأصل الداء وفي أي اتجاه تسير؟
يجمع المتابعون للشأن اليمني على أن الوضع في هذا البلد يتجه نحو الغموض ففي الوقت الذي تحاول فيه حكومته استعادة السيطرة على المناطق المنفلتة أمنياً وتقليم أظافر تنظيم القاعدة الإرهابي وكذا الجماعات المسلحة تبرز أمام هذه الحكومة مصاعب ومشكلات أعقد من الهاجس الأمني والتهديدات الإرهابية وتتصدرها (الضائقة الاقتصادية) والتي باتت تضغط بقسوة على اليمنيين وتلقي بتأثيراتها وإرهاصاتها الشديدة على الواقع الاجتماعي الذي يعاني من ارتفاع معدلات الفقر والبطالة وتدهور الأوضاع المعيشية لغالبية اليمنيين الذين صار أكثر من نصفهم تحت خط الفقر ونصف النصف مهدد بلقمة العيش ونصف النصف يبحثون عن الهجرة والاغتراب من أجل الحصول على فرصة عمل وتأمين ما يسد رمق أسرهم ونصف النصف استنفدوا مدخراتهم كلها فاضطروا إلى بيع مساكنهم وما تركه لهم آباؤهم وأجدادهم من مواريث محدودة.
والسؤال كيف لليمن أن يخرج من أزمته ومأزقه ويسير نحو بناء دولته الجديدة وتحقيق التنمية والتقدم والاستقرار السياسي والاقتصادي والأمني وهو من صار على حافة الإفلاس والانهيار الاقتصادي. كل مانخشاه ان يضيع كما ضاعت قبله العراق والصومال وليبيا وسورية مع ان كارثة تحول اليمن إلى دولة فاشلة أو حتى مجزأة ستكون وخيمة في تداعياتها المباشرة والبعيدة المدى على المنطقة والاستقرار الإقليمي والدولي.
- صحيفة الرياض