صحيح أن الأوضاع المعيشية للمواطن اليمني متعبة ولا تسر عدواً و لا حبيباً، لا يُستساغ معها الحديث عن ترف العيش والرخاء في المأكل والمشرب عند البعض، لكن الصحيح أيضاً هو أن جزءاً من الإشكالية هي بسبب العادات السيئة والإنفاق العشوائي والاستهلاك العبثي الذي يطبع نمط حياة قطاعات كبيرة من المجتمع.
ولستُ في حاجة إلى شرح عديد من تلك المظاهر العشوائية في الإنفاق التي نلمسها دائماً في مئات الأطنان من الأغذية الصالحة للأكل والتي تخرج يومياً من فضلات وبقايا المطاعم وحفلات الأعراس ومن داخل المنازل أيضاً على طول وعرض البلاد وتذهب إلى براميل ومقالب القمامة.
ولو أننا بقليل من الترشيد في الإنفاق والتنظيم في الاستهلاك لتمكنا من تجنيب ميزانية المجتمع تلك الأعباء المتزايدة التي تُثقل كاهل الاقتصاد.. ولأمكننا أيضاً سد رمق الآلاف من المواطنين الذين يتضوّرون جوعاً ولا يحصلون على حد الكفاف من الطعام والشراب.
لقد أشرت في تناوله ماضيه إلى الدرس السابق من اليابان عندما لاحظ أحد المواطنين هناك أن كمية المعروض من الخبز الذي اعتاد على شرائه يومياً قد نقصت إلى النصف تقريباً.. ولما عرف أن سبب ذلك ناجم عن تعرّض محطات توليد الطاقة لأضرار الفيضانات، سارع المستهلك الياباني إلى شراء نصف الكمية من الخبز التي اعتاد ابتياعها وذلك استشعاراً منه بالمسؤولية الملقاة عليه كمواطن.. ولعلني أضيف إلى هذا الدرس القادم من اليابان مثال آخر استمعت إليه هذه المرة من إحدى الولايات الألمانية.
وملخّص هذه الحكاية أن سيدة ألمانية كانت ترتاد أحد المطاعم لتناول وجبة الغداء اتصلت بالشرطة هاتفياً وطلبت إليهم ايقاف أفراد ثلاثة قدّموا من ولاية أخـرى كانوا إلى جانبها يتناولون طعام وجبة الغداء وتركوا خلف وجبتهم كمية كبيرة من الأكل.
وتفاصيل هذه الحكاية بالغة الدلالة.. تكمن في أن المرأة الألمانية طلبت البوليس بعد أن قدّمت النصح للزوار الثلاثة و لم يستجيبوا لنصائحها باستكمال أكل وجبتهم قائلين لها:
- إننا أكلنا ما يكفينا.. وقد دفعنا كامل ثمن الوجبة، الأمر الذي لم يُقنع السيدة فطلبت البوليس الذي أسرع إلى المطعم فارضاً غرامة على كل شخص منهم بمقدار خمسين يورو (ما يعادل خمسة عشر ألف ريال يمني) على كل واحـد منهم، وقال لهم رجل الشرطة بعد فرض هذه الغرامة بلغة صارمة:
- صحيح أن المال لكم، لكن عليكم أن تعرفوا جيداً أن الموارد للمجتمع.
فكم علينا أن نتعلّم وسط هذه العشوائية التي تطبع حياتنا أينما اتجهنا؟!