المقدمات التي بسطناها خلال الأيام الثلاثة الماضية، تعيدنا إلى السؤال المركزي: إلى أين يذهب العراق ؟ وهل من المحتمل أن تتكرر المحنة السورية في العراق؟، خاصة وأن هنالك من يعتقدون أن المشكلة القائمة يمكن حلها بالخيار العسكري الأمني فقط ؟ وهل من صالح النظام القائم أن يتراجع عن ثوابته القاتلة، مراهناً على العراق وأهله، بدلاً من الرهانات الخاسرة التي عمَّقت الانقسام الرأسي في المجتمع .. ثم تاهت في دروب الهباء، ليشمل التمزق أصدقاء الأمس .. أعداء اليوم؟
تظهر المؤشرات الجديدة أن حروب الكر والفر تستعيد زخماً غير مألوف، وأن أساليب التفخيخ والانتحار تنتقل إلى مستويات جديدة في المواجهة، وأن أرض السواد القابعة على صفيح ساخن، تعد بالمزيد من التراجيديا الدموية المُهلكة.
لكن هذه الحقائق الشاخصة لا تعني بحال من الأحوال فقدان الأمل في إصلاح ينبثق من الاقرار بواقع الحال أولاً، فالسير على درب الاختيار المنطقي العاقل ثانياً، وتفعيل النظام الاتحادي الفدرالي بجوهرية معناه ثالثاً، بحيث يتسع الوطن لمواطنيه، وملعب المشاركة للتنمية الأفقية، والشفافية للذمة المالية والادارية المقرونة بالمأسسة، بدلاً من الفَرْدنة.
كتب ذات يوم بعيد في التاريخ عالم التاريخ والسيكولوجيا البشرية ابن خلدون وصفاً جميلاً عن العراق وأهله، وأذكر فيما قاله أن العراق التاريخي يموج بالمتغيرات العاصفة، والتقلبات الدائمة، مُقارناً هذه الحالة بطبيعة الأرض الحافلة بالجبال الشاهقة والأغوار السحيقة، والمناخات المتعددة، والتدفقات المائية النهرية العاتية. ولقد استوهمتُ أن ابن خلدون فيما قدَّم هذه الصفات إنما كان يقول بلسان الحال إن العراق لا يصلح إلا باستيعاب هذا التنوُّع الكبير في أنساقه الطبيعية، المنعكسة حتماً على أهل العراق. وإذا أضفنا إلى ذلك نظريته الشهيرة في أعْمار الدول، ومركزية البُعد العصبوي في إنهاء فتوة الدولة وازدهارها، سنستوعب تماماً ما يجري في العراق، وربما في غير مكان من الأرض العربية.
Omaraziz105@gmail.com