يسهل للخواطر أن تتداعى بتلقائية وأن تفضي إلى استنتاجات تكون مرّة واضحة وأخرى غامضة؛ غير أن صاحب المقال يستبطن ذاته فيما يقول، ويرمي بظلال مرئياته عند عتبة العماء والتعمية، فيدرك ما قال استئناساً بحوار الذات.
لكن هذا الحوار «المونولوج» قد لا يجد سبيلاً للقارئ؛ لذا وجب الاعتراف أن الكلام موصول بالقائل والمستمع معاً، وبالأحرى تكون الكتابة تداعياً للكاتب والمتلقّي معاً، فكلاهما يحتفظ بحقه الكامل في أن يعرف كما يريد هو لا كما يريد الآخر، كل فرد منا يرى ويسمع ويتعاطى مع الحال والمقال بخصوصية ممدودة إلى عوالمه الداخلية الخاصة.
نحن الآن في زمن جديد تستجر فيه المفردة أذيال خيباتها الفلسفية والوجودية، وتجد نفسها فاغرة الفاه، ومشرعة على متاهات الحراك المجتمعي المترع بالقلق والمفارقات، حراك يزداد غرابة وتغريباً كلما دارت عقارب الساعة، فإلى أين المفر..؟!.
من لم يقف على كُنه الواحد فلن يعرف الأحدية، ومن افترض أن الصفر مفهوم حسابي للزيادة والنقصان فقد أغلق على نفسه باب المعرفة الحقيقية وتاه في دروب البرهان المادي الحائر والمُحيّر، ومن قال إن الأربعة رقم فحسب فإنه لم يعرف من الأربعة شيئاً، ومن قرأ أحوال الدنيا من خلال عدسات عينيه المحدودتين لم ير شيئاً من الوجود، ومن استغرق في ضياء السطوع المُزمن أغرقته الحقيقة بوجهها الآخر المظلم، ومن أقام قليلاً في سويداء قلبه رأى الحقيقة بعين القلب وأنوار الفؤاد.
للحقيقة طريق، وللطريق أدلّة ومسارات، وللمسار مفازات دونها الأهوال، وللأهوال مزاجها: الأخضر واليابس، البارد والحار، المُبكي والمُضحك، الثابت والمتحوّل، المرئي والمستتر.
الرائي رديف التسليم فلا يجزع ولا يفرح، لقد أدرك كُنه الوجود فلا ينتظرُ شيئاً خارج المشاق العابرة وامتطاء البحار الهادرة والغوص في الأعماق الغائرة، فبأي حق بعد ذلك يُجادل المجادلون..؟!.
Omaraziz105@gmail.com