كلما رأيته يصعد سلم المؤسسة بصعوبة مختلطه بالآهات، بكرشه المهترئ ورأسه المتصحر أتذكر هذه العبارة (أحد الأجلين).. لقد أكل عليه الدهر وشرب حتى فقدت بياناته الوظيفية.. فلا تجد له شهادة ميلاد أو بطاقة شخصيه، أو شهادة تخرج من أية جامعة، بل لا تجد له شهادة من أية مدرسة ثانوية أو متوسطة أو ابتدائية، ومع ذلك تجده يحتل مقدمة كل كشوفات الاستحقاق اليومية والأسبوعية والشهرية، كما تجده ينافس ويزاحم حديثي التخرج على المهام والاختصاصات، ويستخدم كل ما أوتي من خبرات اللف والدوران، والفذلكة، والحرب النفسية حتى يصل إلى ما يريد ولا يترك لغيره شيئا..
(أحــد الأجلين) عبارة يختص بها قانون التقاعد اليمني وفي الأخير تستخدم لمن يشاؤون حيث يشاؤون.. عند ترجمتها على أرض الواقع لا تجد لها سندا فهي عبارة مطاطية تمديدية تحمل في ثناياها كل مبررات الطرق والسحب لتمدد ما لا يمكن تمديده، وتزيد في تاريخ الصلاحية حتى صارت معظم الموارد البشرية من أبرز مسببات الفساد والاختلالات الضارة والمسببة للتسمم في مجتمع غريب قد يهتم بمراقبة تواريخ الانتهاء للمنتجات الصناعية والغذائية بينما يهمل الالتفات للموارد البشرية فلا يضع لها نظاماً يكشف التلاعب في تاريخ الصلاحية والعمر الافتراضي.. مع أنه بكل بساطة يمكن استحداث هيئة طبية للتسنين وتلقي البلاغات حول الموارد البشرية منتهية الصلاحية، والبت فيها قبل أن تصل إلى مرحلة يتسبب استمرار استهلاكها بإصابة الجهاز الإداري للدولة بالتآكل والتسمم، والذي يعد خطراً على المجتمع ككل..
صارت معظم المرافق العامة، الأحزاب، المؤسسات المدنية والعسكرية موارد بشرية متهالكة قلما تجد من يصعد إلى المستوى الذي يليه قبل أن ينتهي تاريخ صلاحيته هو الآخر.. الصدأ يكسو جباههم، والتجاعيد تفضح ما يخفونه في ملفات بياناتهم من الأعوام والسنين الذين يحاولون عبثا اختزالها بينما الجيل الجديد لا يزال ينتظر دوره في كل المواقع إما مهمشا أو على أرصفة البطالة والضياع..
كل حياتنا صارت مراحل انتقالية تطول وتطول، تعطل قوانين، وقوانين لم تعد صالحة لهذا الزمن الذي نعيش.. تحديثات كثيرة لابد من أجرائها على الإنسان وعلى القوانين، وعلى العقليات التي تخشبت حتى تيبست وانكسر عودها، ومع ذلك لازالت تدعي بأنها هي القادرة وهي الأفضل، وهي الخبرة وصمام أمان الوطن..
Unis2s@rocketmail.com