على مدى عقود الازدهار الأخير لتيار الدين السياسي الذي جاء أصلاً من واقع الإخفاقات التنموية والحياتية للنظام العربي العام، ليجد البيئة المناسبة، والمقدمات المواتية لانتشاره.. في هذه العقود تبارى أنصار الدين السياسي في تحديد معالم مشروعهم الأيديولوجي السياسي، وتمايزوا في تكتيكاتهم، بل واختلفوا في أحايين كثيرة، كما يحدث الآن بين الإخوان والسلفيين، وبالمقابل تعددت مساراتهم وبرامجهم غير المعلنة حصراً.. وفي كل الأحوال ظلوا يلوِّحون بمرجعية الشريعة كما لو أنها طلسمات غير واضحة المعالم، ولعل بعض الطُهرانيين الأكثر تقطيراً في التطرف أميز من غيرهم لجهة اتساقهم مع ظاهر النصوص، واعتبار أن تلك النصوص القرآنية، وما ورد أيضاً في السنة النبوية، بحسب ما يعتدُّون به، إنما هي نصوص جامعة لكامل المُعطى الحياتي .. تحمل الجواب الناجز الشامل لسؤال الوجود والغيب معاً، وملزمة التطبيق جبراً؛ كما أنها تتعارض حصراً مع أي اجتهاد تشريعي بشري، ومن هنا يبدأ المأزق حول مفهوم الشريعة خارج علوم الناسخ والمنسوخ، والمحكم والمتشابه، وأسباب النزول، وفقه المقاصد، والمتغيِّر المُتجوْهِر في التحولات المجتمعية اللامتناهية.
لقد قرر هؤلاء أن الجواب الناجز على سؤال الشريعة يكمن في ما سلف من أقوال ظاهرة، وبهذا المعنى رفضوا التأويل والاجتهاد، وأداروا ظهورهم لعلم الكلام، فيما قدَّسوا علوم التدوين الموروثة سالفاً عن سالف، وأقاموا صرحاً عاتياً من المقولات الحادة القطعية، وها هم يمارسونها علناً في أفغانستان والصومال والعراق وسوريا.
Omaraziz105@gmail.com