ليس تجنّياً ولا تحاملاً عندما نقول إن الدول الغربية معنية قبل غيرها بتحديد مفهوم تشريعي وقانوني للإرهاب أولاً, ثم إثبات مصداقيتها في جدّيتها لمحاربة الإرهاب, وقبل ذلك التوقُّف عن خلق بؤر توتر جديدة في أي بلد كان, وبالذات في منطقة الشرق الأوسط التي تعاني الإرهاب أكثر من غيرها من قبل التنظيمات والعصابات التي أنشأتها تلك الدول لهدف مرحلي سرعان ما تحوّلت تلك العصابات والتنظيمات فيما بعد إلى كيانات إرهابية خطيرة لا تهدّد الدول المستهدفة التي أنشئت ضدها, ولكنها تهدّد الدول التي أنشأتها, فمثلاً تنظيم «القاعدة» وفرعه «داعش» حالتان لا يستطيع أحد إنكار أنهما صناعة غربية بامتياز, كشفت عنها «هيلاري كلينتون» وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة, وأكدها الرئيس الأمريكي «باراك أوباما» عندما اعترف بعجز أجهزة الاستخبارات الأمريكية وخطأها في التقييم الحقيقي لقوة تنظيم «داعش» الذي تحوّل إلى مصدر خطر داهم على مختلف دول العالم وبالذات على الولايات المتحدة ودول الغرب, وهو ما يؤكد حقيقة أن الإرهاب صناعة أمريكية غربية موّلتها وأوكلت إليها تنفيذ مهام استراتيجية في كثير من البلدان.
الحشد الدولي الجاري حالياً ضد تنظيم «داعش» إذا لم يتمكن من القضاء النهائي على هذا التنظيم, فهو إعادة مكرّرة لحشود مماثلة رعتها الولايات المتحدة الأمريكية وجعلتها غطاءً ومبرّراً لحروبها العبثية لزعزعة أمن واستقرار كثير من البلدان التي تعتبر في نظر القانون الإنساني الدولي جرائم ضد الإنسانية, وأخطر أشكال الإرهاب الدولي, خاصة عندما تمارس أمريكا وحلفاؤها كل أنواع الدجل والتضليل السياسي والإعلامي والإرهاب الفكري لتبرير حروبها العبثية التي كانت شعاراتها - ظاهرياً - ذات دوافع إنسانية في حماية الشعوب وتخليصها من الظلم والطغيان والاستبداد والدفاع عن الأمن والاستقرار الدوليين, غير أن الأهداف والأبعاد الحقيقية لهذه الحروب ومبرّراتها هي التدخل في الشؤون الداخلية للشعوب وفرض الوصاية والهيمنة عليها تحت شعارات باطلة ومخادعة وصولاً إلى تمكين الإرهاب وتوظيفه لإثارة الفتن والصراعات والحروب الطائفية والمذهبية وتفكيك عرى النسيج الاجتماعي للشعوب وكذلك تفكيك وإضعاف الجيوش الوطنية.
إن ازدواجية معايير الدول الغربية واختلالها وعدم جدّية توجهاتها في محاربة كل أنواع الإرهاب سواء الذي تمارسه جماعات أم تقوم به دول, تشكّك بمصداقية الدول الغربية وقناعتها في اجتثاث الإرهاب وفي التعامل مع كل ظواهره وممارساته من منظور واضح ومعيار واحد, فالإرهاب الصهيوني المنظّم الذي تمارسه إسرائيل ضد الشعب الفلسطيني نموذج لتلك الازدواجية في المعايير والمتعامل بها من قبل أمريكا وبعض دول الغرب, فبدلاً من أن تمنع حرب الإبادة التي يقوم بها الكيان الصهيوني ضد الشعب الفلسطيني في غزّة والتي كان آخرها الحرب البرية والبحرية والجوية الشاملة التي استمرت حوالي شهر وراح ضحيتها المئات من الشهداء وآلاف الجرحى والمعوّقين, وتدمير شامل وممنهج لأحياء بكاملها وللبنية التحتية التي تم بناؤها خلال عقود طويلة من الزمن, فبدلاً عن منع حرب الإبادة أو حتى على الأقل إدانتها واستنكارها للإرهاب الصهيوني؛ فإذا بأمريكا وحلفائها تعلن بكل صفاقة دعمها لإسرائيل وتحيُّزها الكامل للكيان الصهيوني وتبرّر له إبادة الشعب الأعزل الذي ينشد السلام والحرية والاستقلال والتحرُّر من الاحتلال, والعيش في وطنه حرّاً كريماً في ظل دولته الفلسطينية المستقلة, ومثّل ذلك التبرير قمة الانحطاط القيمي والأخلاقي والإنساني والحضاري, خاصة عندما اعتبرت أمريكا حرب الإبادة التي تشنها إسرائيل ضد الفلسطينيين حقاً مشروعاً لحماية الاسرائيليين من الإرهاب الفلسطيني.. أليس هذه قمة الازدواجية في معايير التعامل مع الإرهاب..؟!.
ali_alshater@yahoo.com