لقد خاضت اليمن الفترة الانتقالية في ظل إعلام غير مسؤول، إعلام انتهازي ضلّل الرأي العام وضلّل متخذ القرار فكانت النتيجة ما نحن عليه اليوم، كنّا نتمنّى على الإعلام في هذه المرحلة أن ينتصر للأفكار وليس للأحزاب أو الأفراد، كنّا نعتقد أنه سيفسح المجال للأفكار تتقارع حتى يصل الناس إلى الحقيقة وتصل الحكمة إلى أصل الداء خاصة أن القائمين عليه ممن كنّا نعتقد فيهم الحكمة والحيادية؛ للأسف لم يستطع الإعلام أن يخوض معركة التحوُّل السياسي وسقط من كنّا نعتقد فيهم قادة رأي.. وأنا هنا أدعو صحيفة «الجمهورية» أن تتبنّى ندوة للإعلاميين وخبراء الإعلام أو من لهم صلة بالإعلام لدراسة أو ممارسة للإعلام المكتوب أو المسموع أو المرئي وغيره على أن تكون الأجيال القدامى إلى جانب الأجيال الحديثة لمناقشة الوضع في اليمن.
ولست بحاجة إلى القول إن الإعلام اليمني في أزمة كبرى وعليه من الضغوط ما يجعله فاقداً لأخلاقية المهنة وقوانينها، فالإعلام اليمني يعيش كارثة بالفعل أمام ما يجري في البلاد وهو يقف عاجزاً عن التحليل والتصويب، صحيح أن وسائل الإعلام تتمدّد وتتكاثر، لكن الأزمة تتسع، والأفكار المتطرّفة هنا وهناك تتمدّد، لا شك أن اليمن قد عرفت حرية التعبير منذ عام 1990م ونصّ الدستور على الحريات؛ لكن الرقابة الداخلية الذاتية من قبل القائمين على وسائل الإعلام كانت كبيرة.
هناك علاقة بين الإعلام والدولة؛ وبما أن الدولة تعيش حالة أزمة فقد عكست نفسها على الإعلام ذاته؛ لكننا نستطيع القول إن الإعلام يتحمل جزءاً كبيراً من أزمة الدولة، فمثلما أن الدولة عليها دور معيّن؛ كذلك الإعلام عليه دور خاص به، لقد دخلت الدولة ـ للأسف الشديد ـ في نفق التورية، فدخل الإعلام معها وخاض مرحلة الشحونة السياسية والاجتماعية حتى فقد رشده كإعلام موجّه للساحة والمجتمع وعجز حتى عن التفكير أو فيما ينبغي التفكير فيه فأصبح عاجزاً ومضطرباً وحائراً.
وحينما أقول على صحيفة «الجمهورية» أن تنظم ندوة لهذا الخصوص بهدف الخروج من حالة التحريض والتعبئة إلى الحالة المهنية التي تقوم على المعلومات وتقوم على الأخلاق والحقيقة، وأعتقد أن الوقت قد حان لخروج الإعلام من حالة عبادة الفرد إلى تقديم المحاسبة والتقييم، ووزن الأمور بميزان المصلحة العامة، فعبادة الفرد قادت إلى تفكيك الدولة وتدمير الوطن وتمزيقه.
حينما تنظر إلى الإعلام في الدول المتقدّمة ستجد أن للإعلام دوراً مهماً في الحفاظ على الدولة ومواجهة من يحاولون تقويضها أو من يشجعون على الإرهاب والخروج عن القانون، لا شك أن المرحلة القادمة تحمل الإعلاميين عبئاً ثقيلاً، ومالم يكونوا قاعدة للوعي والمعرفة والتحريض على السلم الاجتماعي؛ فإن الدولة لن تقوم ولا يمكن التفكير فيها.. على الإعلام أن يستفيد من مساحة الحرية التي يتمتع بها، وتحويل هذه الحرية إلى أخلاق، ولابد لهذه الندوة أن تضع الصحافة الرسمية على الطريق الصحيح للتطوّر والبناء.
من منّا لا يدرك أن الإعلام جزء من التطوّر الديمقراطي، بقدر ما ينجح الإعلام في تجنُّب السقوط والعنف اللفظي والإرهاب الفكري والإسفاف الأخلاقي؛ فإن مسيرة الديمقراطية لا شك تصل إلى نتيجتها المنطقية، فالإعلام يوجّه البرلمان والحلم المحلّي والحكومة ورئاسة الجمهورية والقضاء وبناء الوعي وتنمية المشاركة وخلق القيم التي تحافظ على التجانس الاجتماعي.
أتمنّى على صحيفة «الجمهورية» أن تتبنّى مثل هذه الندوة بوصفها أكثر الصحف الرسمية تحرّراً لتبحث ما هو ضروري والغوص فيما هو غائب، وبذل جهد لمعرفة مكامن الخطأ الإعلامي والسياسي، الإعلام ليس لبناء مستشفى أو مدرسة أو طريق، هو كل ذلك إلى جانب بناء الإنسان، فالإعلام لا يجري في مساحة خالية من البشر وهو يحمل على عاتقه المسؤولية الوطنية والمهنية، وإذا فشل الإعلام في هذه المرحلة؛ فإن الإخفاق سيكون في المستقبل كبيراً، وسيكون الإعلاميون المسؤولين عن ذلك.
لقد صعد إعلاميون إلى عنان السماء، ثم هبطوا إلى باطن الأرض، وانقسم الإعلام بين أنبياء وخونة، فهل يمكن أن ننتصر اليوم لأخلاقيات المهنة وقوانينها..؟.