النسبة في العنوان إلى القائد المسلم صلاح الدين الأيوبي، والعنوان الكامل للكتاب الذي يصدر ضمن سلسلة إصدارات الشارقة، عاصمة الثقافة الإسلامية هو «وثائق الفتح الصلاحي واسترداد بيت المقدس من الفرنجة الصليبيين شهادات ومكاتبات وقصائد» لصاحبه الباحث تيسير خلف، الذي اعتمد منهجاً ابستمولوجياً دقيقاً في استدعاء النصوص الدالّة على المرحلة التاريخية، راصداً الوقائع الأكثر أهمية، وناظراً إلى الحكمة الصلاحية في التعامل مع مقتضيات الصراع، مما هو مُدوَّن ومرصود في الوثائق التاريخية.
وقد حرص الباحث المحقّق على اعتماد مسافة إجرائية بين الوثيقة التاريخية، وحضور المؤلّف في تضاعيف الانتقاء الخاص لهذه الوثيقة أو تلك، حتى إن ذلك الحضور يبدو متماهياً مع مركزية الوثيقة؛ ما يجعل النصوص المرفقة ذات قيمة دلالية واضحة.
وقف المحقّق أمام الفتح الصلاحي لبيت المقدس باعتباره محطة استثنائية في التدوين الوثائقي المُجيَّر على المسلمين والمسيحيين معاً، وقد حرص على إبراز شهادات الخصم، بالتوازي مع شهادات المسلمين، كما أوضح البُعد الحضاري في قيادة صلاح الدين الأيوبي، وكيفية تعامله مع الخصم.
يقول المؤلّف: “هذا كتاب يحاول استنطاق التاريخ بأدوات مختلفة، واستعادة لحظة نادرة من خلال حرارة الإفادة الشخصية، وصدق حروف المكاتبات البريدية”.
لقد أفلح المؤلّف في التقاط منظومة من الوثائق النادرة والنصوص الشعرية الموازية للحدث التاريخي والمرويات المُحايثة لجوهر الصراع الكبير والاستدعاء الواسع للانتصار الصلاحي الفريد في تاريخنا.
لم يكن السرد الوثائقي وحيد ذاته في مضمار الجدل الخلافي بين التاريخ في بُعديه الواقعي والخيالي، وبين التاريخ والحقيقة الموضوعية بالمعنى الواسع للكلمة، فالشاهد هو أن أكثر النصوص مجاورة للتاريخ وقعت في مأزق الرأي والمقولة والأيديولوجيا والتحيُّز، وكل ما يمتُّ بصلة إلى ما يمكن تسميته بالنظرة الآنية للأحوال.
لهذه الأسباب مجتمعة نرى أن الكتاب الماثل يقدّم إضافة نوعية للمكتبة العربية، من خلال تسليط الضوء على مرحلة تاريخية حاسمة، وتبيان العهود والمواثيق الناظمة لجدل الصراع والتعايش على قاعدة من السماحة والانتصار على الظفر العسكري المجرد.
Omaraziz105@gmail.com