لا نحتاج إلى كثير شرح وتفسير لبيان أهمية تحديد الهدف وإمكانية تحقيقه؛ لأن فلسفة التنمية البشرية ومعارفها عن الإرادة الإنسانية وقوتها وقدرتها على تحقيق الطموح الإنساني وأهدافه الخاصة والعامة قدّمت خلفية معرفية عن ذلك وجعلت معظم الناس على قدر من المعرفة بالقوة الفردية والجمعية للنفس البشرية القادرة على الحلم والعلم وعلى الفعل والإنجاز.
قد يكون علم البرمجة اللغوية العصبية مثالاً على ذلك, وقد يكون الحديث عن الإرادة الإنسانية وعن أهدافها معروفاً ومفهوماً في المستوى الفردي, ولكن هذا لا يمنع من تعميم الحالات الفردية على جمعية قائمة في الواقع أو مفترضة فيه, ذلك أن الفردية المستقلّة بذاتها منعدمة الوجود, حتى فيما نجزم قطعاً بوجوده كخصوصية فردية, مثل نجاح الطالب وتفوّقه, ونجاح المدير وتميّزه وغير ذلك, فهذا النجاح تحقّق في بيئة جماعية وكان بها ولها في الدوافع والمنافع.
من بداهة المسلّمات المعرفية أن تحقيق الأهداف مرهون بتحديدها, غير أن تحديد الهدف عملية مستقلة تتجاوز في أهميتها عملية تحقيق الهدف المحدّد؛ لأن هذا التحديد المؤسّس على العلم والخبرات لا يجعل تحقيق الهدف سهلاً فحسب ولكنه ينير الطريق إليه ويبيّن السبيل الأمثل لإنجازه في عمل منظم بمرحلة زمنية معيّنة أو عبر مراحل متتالية ومتدرجة.
ولكي تحدّد هدفاً بدقة وواقعية؛ عليك أن تضع السؤال: ما هو هدفك..؟ ثم تفكّر في الجواب ضمن إطار من الأسئلة المتصلة بهذا الهدف مثل: لماذا هذا الهدف، وكيف يتم تحقيقه، وما هي متطلبات إنجازه والفوائد المرجوة منه..؟.... إلخ.
يبدو أن علّة العمل السياسي في يمننا الحبيب سببها جرثومة غياب الهدف المرحلي والاستراتيجي من ذهنية القوى السياسية وأحزابها المختلفة؛ ذلك أنه عند رصد المحصّلة الختامية لعمل هذه القوى السياسية وأحزابها في كامل فترة عملها العلني منذ نشأتها 1990م, نكتشف عجزنا عن تقييم هذه المحصّلة تقييماً يبيّن حجم الإنجاز الذي حقّقته ونسبته مقارنة بقائمة الأهداف التي حدّدتها وسعت إلى تحقيقها, باستثناء أن الحزب الحاكم حدّد هدفه بالإمساك بالسلطة والاحتفاظ بها لنفسه غنيمة دائمة.
فمثلاًَ هل عزّزت الأحزاب الصغيرة حجم عضويتها كهدف محدّد ضمن خطة عمل مزمنة، وهل سعت الأحزاب الكبيرة إلى تعزيز الحريات الإعلامية ضمن استراتيجية تفصل تحقيق الهدف في برامج عمل مرحلية ومتدرجة..؟!.
قد نجيب بالنفي؛ لكن ذلك لا يكفي لبيان ما نريد بيانه في هذا المقال, ونعني به أن العمل السياسي باعتباره محرّكاً للمجتمع وقائداً لتقدّمه معني بالبحث عن الكيفية التي يحدّد بها أهدافه ويحقّقها, باعتبار هذه الأهداف مصالح الجموع التي هي في صورتها المصغّرة جموع العضوية العاملة في هيئات منظمة من القوى والأحزاب السياسية.
لنختتم بالتساؤل المفتوح عن الأهداف التي حقّقتها أحزاب اللقاء المشترك مثلاً من مشاركتها في الحكومة الانتقالية, أو الأهداف التي ستحقّقها في المستقبل القريب..؟!
Albadeel.c@gmail.com