ليست الأزمة اليمنية الراهنة بالبساطة التي تصوّرها مقولات الانقلاب الحوثي- إيراني في صنعاء, أو الاحتلال الحوثي - الإيراني للعاصمة, أو كجزء من الانتشار الواسع للدولة الإسلامية في المنطقة, فهذه المقولات لا تملك ما تتعامل به مع الواقع اليمني الذي يجعل الأزمة الراهنة قريبة جدّاً من أزمات التاريخ اليمني في صراعات القوى على المصالح ومصادر الثروة.
لا يشكّل التجاذب الإقليمي الراهن بين الرياض وطهران على قديم التجاذبات التي صبغت تاريخ اليمن السياسي قديماً وحديثاً؛ إذ تثير الشواهد الحاضرة من تاريخ اليمن الجمهوري بعض ملامح التجاذبات الإقليمية والدولية التي تحكّمت بصراع اليمن السياسي وأزماته في عهد الثورة والجمهورية, وقبل الوحدة وبعدها.
ألم تولد الوحدة اليمنية من رحم التجاذبات التي عاشتها اليمن في زمن الحرب الباردة وجاءت في ختام هذه الحقيقة، ثم ألم تعش اليمن تجاذبات الإقليم التي أثّرت على وحدته الفتية وسارت بها نحو التأزم والحرب، ثم استمر التأزم في ظل هذه التجاذبات ومعها حتى اللحظة التي أصبحت فيها إيران أبرز اللاعبين في المجال السياسي اليمني..؟! بلى كان ذلك تاريخاً وهو اليوم واقع مشهود، فماذا يعني ذلك..؟!.
يمكنني الجزم بيسر ويقين أنه إذا عاشت اليمن معزولة عن محيطها الجغرافي والعالم فإن صراع القوى السياسية سيستمر ويتكرّر تاريخياً حتى تقتنع هذه القوى أو تتفق على إدارة هذا الصراع بعدل وسلام, وهذا افتراض يعني أن التدخُّل الخارجي مرهون باليمنيين ومتوقّف في منافعه وأضراره على الأدوات المحلية التي تمثّله في الداخل, فإذا أراد اليمنيون أن يكونوا وكلاء للخارج في حروبه وصراعه على المصالح والنفوذ, فإن الخارج سيسفح المال والسلاح ليسفح اليمنيون دمهم على أرض متحرّكة بالدماء والخراب..!!.
ولقد علّمنا التاريخ أن اليمنيين قادرون على معالجة أمورهم وإدارة صراعاتهم بذاتية مستقلّة عن الخارج أو متأثّرة به, لكنهم في اللحظة المناسبة في سياق دورات الصراع التاريخي أدركوا حاجتهم إلى السلام وقدرتهم على إحلاله بينهم فصنعوه بكل جدارة واقتدار؛ خصوصاً حين يدركون أن القوة والحرب لا تحفظ لهم حقّاً ولا تبقي لهم وجوداً ولا تحقّق لهم إنجازاً أو نصراً, واليوم تؤكّد الشواهد على الأرض وبين الناس أن توهّم النصر بالقوة والسلاح خداع للنفس وتفريط بالحقوق والوجود.
ومن المسلم به يقيناً أن الخارج لا يتحرّك في الداخل إلا إذا وجد منفذاً لذلك في الجسم الوطني وبين مكوّناته, ويكون هذا التدخُّل قاتلاً ومدمّراً إذا استقوى فرقاء الصراع على بعضهم بقوة خارجية أو دفع الغرور ببعضهم إلى ممارسات تجعل الناس أمام الحاجة أو المصلحة مضطرّين إلى الارتهان لقوى خارجية.
لذلك يجدر بكل القوى الحريصة على الوطنية أن تتجنّب كل ما يبرّر للخارج النفاذ إلى الداخل, وكل ما يجعل الداخل مضطرّاً إلى الارتهان للخارج, فالاستقلال ليس ادعاء إنما هو وطنية كاملة ومتكاملة.
albadeel.c@gmail.com