وحدها ليبيا من بين زوايا السداسية الحاضنة لما بات يُعرف بـ “الربيع العربي”, من أُزيل بالكامل من وجودها القديم, نظاماً وسلطة, هوية ودولة, وحتى الإسم والصفة, وذلك تحقق بعدوان عسكري كامل وشامل نفذه حلف الأطلسي مسنوداً بعصابات إجرامية كانت جيشه على الأرض, لكن هذا التغيير الجذري لليبيا لم يكن ثورة أصلاً أو انقلابا محسوباً لشعبها أو بعض قواه على الأقل من المأساة المستمرة لوكلاء الناتو.
بقي من الزوايا الست للربيع العربي, سوريا التي تتصدى لذات التحالف العدواني على ليبيا, والبحرين المستمرة في نموذجها السلمي, ثم تونس ومصر واليمن, وهي الأقطار التي تغيرت فيها السلطات الحاكمة, على أسس من الشرعية الدستورية القائمة, وبآليات مختلفة بين الأقطار الثلاثة ومتميزة وفقاً لخصوصية الحالة السياسية في كل قطر, وما جرى فيها لا يرقى أبداً إلى مستوى الثورة كمفهوم وعملية.
الثورة كمفهوم تعني التغيير الجذري للواقع السياسي المجتمعي القائم, وكعملية تعني إسقاط منظومة السلطة الحاكمة إسقاطاً كاملاً, يشمل مرجعيات الشرعية وقوى الحكم, وبحيث يتأسس على نجاح الثورة شرعية جديدة, هي شرعية الثورة التي تبدأ من البيان الأول وتتعزز بالمبادئ الدستورية الجديدة التي تعلنها قوى الثورة كدستور مؤقت لفترة محددة.
انتقلت السلطة في تونس وفق قواعد إجرائية منصوص عليها في دستور الدولة أثناء حكم الرئيس زين العابدين بن علي, ومثل هذا جرى في مصر واليمن, لكن الدعاية الاعلامية والتضليل السياسي استخدم لفظ الثورة في سياق ممنهج لحث وتحفيز الاستجابة الشعبية لمفاهيم الثورة ومعانيها ايجابية وللنيل من الخصوم عند وضعهم في مواجهة مع «الثورة»، و«الثوار»، و«الشعب», والحق في الحرية والكرامة والعدل.
اليوم يستمر بقصد وجهل التضليل الممنهج للوعي الجمعي, في تكرار استخدامه مفهوم الثورة, من خلال المقابلة بينها وبين ما يتوهم أصحاب الادعاء الثوري الزائف أنه ضد الثورة أو هو كما يزعمون “ثورة مضادة” لبقايا النظم القديمة مسنودة بدعم دول عربية معادية للثورة بطبيعتها: وكان حرياً بهؤلاء وقد تبين لهم في الواقع وبالواقع غياب أي وجود أو مظهر للثورة مفهوماً وعملية, أن يعودوا إلى العلم والعقل ليروا من خلاله حقيقة ما جرى وحقائق ابتعاده عن أي أثر أو معنى, للثورة, حتى لا يقعوا هم أنفسهم في دهاليز الوهم المتحرك الآن في أحاديثهم عن ثورة مضادة يظهر زيفه كادعاء في الصراع الدموي بين قوى “ثورتهم نفسها”.
albadeel.c@gmail.com