منذ قيام الثورة الإيرانية وتأسيس نظامها الجمهوري بمرجعية دينية تجسد تحت إسم الاسلام عقائد وممارسات الطائفة الشيعية وتحددها في مذهب الإثني عشرية الجعفرية دستورياً, أقول مذّاك والحديث عن خطر تصدير الثورة الإيرانية والتمدد الشيعي في الجوار العربي لم يتوقف ولا يبدو أنه سيتوقف في المدى المنظور.
لن أنكر حقيقة التحرك الإيراني لتصدير الثورة, وسعيها المستمر لنشر التشييع والتبشير به في المجتمعات السنية، ولكني سأسلّم بهذا وسأبني على التسليم به معادلة سياسية تكشف خطورة وحجم المغالطات الظاهرة والباطنة في الجدل الدائر الآن سياسياً وإعلامياً حول ثنائية السنة - الشيعة, بين إيران ومحيطها العربي على الصعيدين: الرسمي والشعبي.
إحدى أخطر المغالطات تلك المحمولة على الدور الإيراني في تحريك المجموعات الشيعية من سكان الأقطار العربية لزعزعة استقرار دولها وإثارة الفتنة بين سكانها بهدف ضرب وحدتها الوطنية وسلمها الأهلي, وهذه الدعوى, صحيحة وسليمة, لكنها تحجب واقعاً قائماً في الدول العربية, يجسد انتفاء المواطنة لصالح عصبيات طائفية وعرقية, وتصادر حقوق المواطنين من السنة والشيعة معاً, لصالح تسلّط أسرة أو جماعة وبغيها على الحقوق والحريات باسم السنة وأهلها.
إن الاعتراف بالاختلاف وضمان حقه في الوجود والتعبير السلمي يجمع السنة والشيعة على الحق في الاختلاف والتعبير عنه, بأمر العدل والإحسان, وهذا ينقل التنوع المجتمعي والتعددية المذهبية إلى إطارها المشروع, والمحكوم بمرجعية المواطنة الضامنة للمساواة في الحقوق بين مواطني الاقليم, والحامية لممارسة هذه الحقوق بأمر العدل وسيادة القانون, ومن الخطير جداً أن نبرر بالدور الإيراني اضطهاد الأقليات الشيعية, وشرعنة ما يجري من مصادرة لحقوقها الانسانية وحقوقها في المواطنة, بزعم التصدّي للخطر الإيراني ومواجهة التمدد الشيعي في مجتمعات السنة.
تنقلنا ثنائية السنة - الشيعة, إلى مدنية الدولة وديمقراطية السلطة, وما تقتضيه هذه المفاهيم من حقوق التنوع وحريات الوجود والتعبير عن هذا الوجود بحيث لا يصبح هذا الوجود أزمة قائمة وخطراً دائماً وداهماً وقابلاً لتوظيفه ضد المصالح العربية من قبل إيران أو غيرها, بل ولربما أصبحت دولة المواطنة العربية, أنموذجاً يمكن تصديره إلى إيران ذات الطابع المذهبي والصيغة الطائفية في الدولة وسلطة الحكم, غير أن الأهم هو الوعي بأهمية المواطنة في واقع الاضطهاد الذي تفرضه وتمارسه سلطات الحكم في المجتمعات العربية باسم السنة وضد المواطنة لكل السكان من شيعة وسنة.