• التعليم هو حجر الزاوية في بناء المجتمعات والأوطان وصناعة المستقبل الأفضل، متى ما تمّ الاهتمام به وتجويده، لكنه في بلادنا يسير من سيئ إلى أسوأ، ويواصل السير نحو الهاوية، وكل ما قيل ويُقال عن تطويره وتجويده لا يعدو عن كونه مجرّد كلام “لا يُسمن ولا يُغني من جوع” ولا أثر له على أرض الواقع، حتى استراتيجيات تطوير التعليم بشقيه «العام والعالي» التي ظلّ مسؤولونا يتحدّثون عنها طوال السنوات الماضية وكيف أنها ستعمل على انتشال التعليم من وضعه المتردّي؛ لا ندري أين انتهى بها المطاف..!!.
• التعليم في بلادنا ـ وللأسف الشديد ـ يعاني جملة من الاختلالات والمشاكل المزمنة التي تتكرّر في كل عام؛ بل تتزايد وكأنها عصيّة عن الحل، ومن يذهب إلى الجامعات سيجد العجب العُجاب، وسيكتشف ضحالة المستوى العلمي والمعرفي لدى الطلاّب، مع أن المنطق يقول إن أي طالب يصل إلى مرحلة التعليم الجامعي يجب أن تكون في جعبته كمية معقولة - إن لم تكن كبيرة - من المعلومات والمعارف التي اكتسبها خلال مرحلة التعليم العام، لكن للأسف نجد أن أغلب هؤلاء يأتون إلى الجامعة ورؤوسهم فارغة من أية معلومات ومعارف، بل إن بعضهم لا يجيدون القراءة والكتابة، وهو نتاج طبيعي للاختلالات التي يعانيها التعليم العام..!!!.
• وتتواصل الاختلالات في التعليم الجامعي، حيث لاتزال السياسة المتّبعة في التعليم الجامعي تقوم على مبدأ التلقين كما هو الحال في التعليم العام، مع أن المفترض أن التعليم الجامعي يقوم بالأساس على البحث عن المعلومة وليس تلقّيها، أي أن الطالب الجامعي يُفترض أن يكون هو الباحث عن المعلومة لا تلقّيها بالتلقين من المدرّس أو الأستاذ، فالأستاذ الجامعي وظيفته أن يُعطي الطالب مفاتيح البحث عن المعلومة مع توضيح وتبيان ما يعجز الطالب عن فهمه واستيعابه، أما اعتماد أسلوب التلقين؛ فإننا بذلك نزرع فيهم الاتكالية ولا ننمّي فيهم روح الإبداع والاختراع.
• التعليم الجامعي في بلادنا يقوم على مجموعة من الملازم النظرية، أما أن يكون طريقاً للبحث العلمي؛ فذلك أمرُ لايزال بعيد المنال، حيث نلاحظ أن أغلب دكاترة الجامعات ينصب تركيزهم على وضع الملازم، فنجد بعضهم يفرضون على الطلاب ملازم تتكون من (150) صفحة وفي تخصّصات عملية يُفترض أن تكون الأولوية فيها للجانب التطبيقي وليس الجانب النظري.
• وفي كل سنة يحرص هؤلاء على طرح ملازم جديدة حتى وإن كانت تتضمّن نفس الأفكار والمعلومات الموجودة في ملازم السنة السابقة؛ فقط من أجل الاتجار والكسب المادي لا أكثر ولا أقل، ويشترطون على جميع الطلاب ضرورة شراء النسخة الجديدة حتى وإن كان البعض يمتلكون القديمة أو ظروفهم المادية مُتعبة وغير قادرين على مجاراة جشع «تجار الملازم” بشراء أحدث إصدار “جديد قديم» من هذه الملازم؛ فإن ذلك لا يعفيهم من اقتناء الملازم الجديدة، لأنها شرط أساسي لا يتنازل الأستاذ عنه تحت أي ظرف حتى لو اقتضى الأمر أن يقوم بترسيب أي طالب لم يشترِ الملزمة الجديدة..!!.
• الكارثة هي أننا نجد أغلب الملازم التي يطرحها دكاترة جامعاتنا اليمنية ليست إلا تجميعاً من عدّة كتب وأبحاث، يقوم الأستاذ الجامعي بدبلجتها ببراعة ويصدرها في ملزمة باسمه ويبيعها لصالحه، أي أنه يسرق جهود الآخرين وأفكارهم ويتاجر بها لمصلحته الخاصة، وهو ما يعتبر انتهاكاً صارخاً لحقوق الملكية الفكرية.
• التعليم الجامعي في جل دول العالم ليس فيه ملازم كما هو الحال عندنا، أقصى ما قد نراه هو ملخّص للمحاضرات لا يتجاوز العشر ورقات؛ ليس من الدكتور المحاضر؛ ولكنها عصارة جهد أحد الطلاب الذي يقوم بكتابتها من واقع المحاضرات.
الأستاذ الجامعي هناك لا يضع للطالب سوى محاور المادة التي يقوم بتدريسها وقائمة بالمصادر والمراجع المتصلة بمادته، والمطلوب من الطالب هو مراجعتها والبحث فيها عمّا يفيده، وبالمناسبة هذه المصادر والمراجع عادة ما تكون متوافرة في مكتبة الكلية ويتم استعارتها بالمجان ولمدة تصل إلى ثلاثة أسابيع ببطاقة خاصة بالمكتبة تُمنح لكل طالب.
• إن الحاجة ماسة إلى إصلاح التعليم الجامعي وتجويده وتطوير الأساليب التعليمية المتبعة بما يواكب العصر ويلبّي احتياجات البلد في وجود جيل قادر على الإسهام الفاعل في بناء الوطن وصناعة المستقبل.
نتمنّى من الجهات المعنية وضع الحلول والمعالجات المناسبة، والتوجُّه الجاد نحو إصلاح التعليم الجامعي وإنقاذ ما يمكن إنقاذه قبل فوات الأوان.
k.aboahmed@gmail.com