يعرّف علماء التاريخ المعاصر أن كل الحروب التي شنّتها الولايات المتحدة طوال القرن المنصرم والقرن الجديد اتسمت بطابع أساسي يتلخّص في كونها حروباً ظفر موقت..!!.
ولكن أيضاً، وهذا أهم ما في الأمر حروب قصيرة الأمد وخاطفة، فالولايات المتحدة بوسعها شن حرب وحربين وثلاث في آن واحد، وبوسعها هزيمة الخصم الذي لن يقوى على مواجهة ترسانتها المهولة من الأسلحة متعدّدة الحراب والأهداف والقدرات؛ لكن هذه القوة الكاسحة ليس بوسعها ضمان ما بعد الحرب وتحديد معالم المستقبل كما توهّم عرابو الحروب ويتوهّمون.
وتلك كانت الصيحة المباشرة التي قالها حلفاء الولايات المتحدة في الحرب العراقية، وكانت بريطانيا في مقدّمة الذين طالبوا بتحديد العتبة التالية للحرب العسكرية، وتحديد آفاق تلك العتبة وما سيليها، غير أن سدنة البنتاغون اعتبروا مثل تلك المطالب ضرباً من الإقامة في العقل الكلاسيكي، واندفعوا ذاهبين إلى الحرب ساخرين من عقليات المنتمين إلى القارة العجوز «أوروبا».
وكانت توقّعات مبشّري “التحرير” تتلخّص في مئات القتلى والجرحى الأمريكان وآلاف القتلى والجرحى العراقيين، فماذا حدث في هذا الجانب تحديداً، وهل يستطيع أحد إيقاف سيول الدماء التي تنزف يومياً، وماذا فعلت سلسلة الحملات العسكرية الميدانية التي دمّرت المدن والنواحي وقتلت آلاف الأفراد من المواطنين العراقيين، وهل يمكن تفسير الديمقراطية والحرية التي جلبتها أسنّة الرماح العالية والقوة المدمّرة، وهل يستطيع “العراق النموذجي الديمقراطي” أن ينهض من خرائب النزف القاتل الذي نراه، وكيف يمكننا أن نتغافل عن الحرب الأهلية الماثلة، والنزعة الانفصالية المُعلنة من بعض الأطراف وما يعبّر عنه المتخندقون وراء العصبية الطائفية والشوفينية الضيقة، الراغبون في استمرار ثقافة الموت والدماء..؟!.
العراق يتفكّك بالرغم من كل الثقل العسكري والمالي، والصوملة تتقدّم على أسنّة الحراب بالرغم من عشرات الفضائيات والمليارات المهدرة في ساحة الموت، والأمريكان يتنابذون صراخاً وهم يشهدون اللهيب المستعر، بالرغم من ثكنات القوة وجنازير الدبابات الحديثة..!!.
لقد جافت العسكرية الأمريكية التاريخ والجغرافيا وأرادت فرض رؤيتها على المنطقة، ضاربة عرض الحائط بالنصائح والمراجعات، فإذا بها تحصد النتائج الأكثر إيلاماً، فيما يتوه العراق والمنطقة كلّها في بؤس ينذر بأوخم العواقب.
Omaraziz105@gmail.com