دَرج العلم السياسي على اعتبار الثورات قرينة الانتفاضات الشعبية الواسعة التي تستبدل الشرعية القائمة في هذا البلد أو ذاك بشرعية شعبية تم تسميتها حيناً الشرعية الثورية، وتسميات أخرى كثيرة لسنا في صددها.
وتقوم فكرة الشرعية الثورية الجماهيرية على إجازة الإطاحة بالأنظمة؛ ذلك أن هذه الأنظمة تمتلك أصول حق الشرعية بقدر استجابتها لمطالب ممثّلي الشعب في البرلمانات أو المجالس الوطنية التي تنبثق أساساً من جموع المواطنين الذين يختارون ممثّليهم.
وما جرى في العالم العربي، يذكّرنا بما ذهب إليه فيلسوف التاريخ الفرنسي «جوستاف لوبون» في تحليله لسيكولوجيا الجماهير، مما نلاحظ تداعياته في الحالة العربية، وخاصة ما يتعلّق منها بالتخريب الذي يمكن مباشرته من قبل البلاطجة ذوي السوابق الذين ينتمون حصراً إلى أكثر الفئات رثاثة في المجتمع.
هذا النفر من المسحوقين المُتماهين مع جلاديهم يستخدمون من قبل النُخب السياسية الشريرة لتشويه المطالب المشروعة، بالحلم بمجتمع جديد؛ ويمكن لهؤلاء أن يشوّهوا وجه التحوُّل من خلال القيام بأعمال إجرامية وتخريبية، فظاهرة حرق المقرّات الحكومية لا تبرّر الانتفاضة ضد هذا النظام أو ذاك، والانفلات الأمني الذي وضع الملايين أمام حائط منهار يعيد إنتاج نفسه بذات الكفاءة التخريبية ليست منطلقاً لبناء مجتمع جديد، والجنون الإعلامي المقرون بالاستقطابات والتمترسات المخيفة لا صلة لها بنُبل وشرعية أحلام الجماهير بالتغيير.
مثل هذا الحال ليس جديداً على تواريخ الأمم القريبة منّا والبعيدة، فبعد انهيار نظام سياد بري في الصومال؛ تحوّل بلطجية الشوارع ومتخرّجو السجون إلى أدوات قتل وتدمير عدمي يعرفها من شهد رحى الحرب الأهلية هناك.
وفي فرنسا الثورة بعد سقوط النظام الملكي؛ تحوّل ثوار الأمس إلى قتلة اعتياديين، وفي مقدمتهم زعيم الثورة الفرنسية «روبسبيير» وفي الحالة السورية شهدنا ما كان لمناصري الطرفين المتقاتلين من دور مرعب في معادلة الموت والدمار.
Omaraziz105@gmail.com