ما زال المواطن اليمني ينتظر تغييراً حقيقياً يمس حياته ويخرج البلاد من الإخفاقات المستمرة لكنه يدرك أن ذلك لن يحدث ما لم يتغير الواقع السياسي والاقتصادي وما لم تتوقف الأحزاب السياسية عن استثمار معاناة هذا الشعب واستثمارها لعدم اليقين والشك اللذين حلا في النفوس.
ولست بحاجة للقول إن الغموض الذي تعيشه الحكومة يخلط الأوراق ويحرم الرأي العام من الاطلاع على ما يجري ويبعده عن المناقشة والمشاركة في إبداء الرأي، ما يدهش حقاً أن بعض القوى السياسية كانت تناقش قضية السجل الانتخابي والانتخابات النسبية قبل 2011م وحينما صارت هي الحاكمة لم نعد نسمع عن ذلك شيئاً، وأصبحت المحاصصة هي البديل الحقيقي للديمقراطية والصندوق. لقد صبر الشعب كثيراً حتى لم يعد لديه في الصبر طاقة، فالأحزاب جميعها تتبارى على تقسيم الجغرافيا، فالبعض يريد ستة أجزاء والبعض يريد ثلاثة وآخر يريد اثنين، لكن الجميع متفقون أنهم لا يريدون وطناً واحداً ولا شعباً واحداً، ولا أحد منهم يقدم قراءة للعلاقة بين الجغرافيا والتوزيع السكاني بما يخدم التنمية ويهذب السياسة، كل ذلك يجري من قبل قوى نادت بالوحدة العربية وأخرى بالوحدة الإسلامية وثالثة بالأممية، لكنها اليوم تريد هذه القوى تدمير الشخصية اليمنية التي تربت على الارتباط بهذه الدوائر الثلاث. وليس هذا فحسب، بل إن اليمن كانت حاضنة للديانة اليهودية والمسيحية والإسلامية، لكنها اليوم غير قادرة على تحمل الخلاف المذهبي داخل الدين الإسلامي نفسه، هذا يؤكد حجم الكراهية التي زرعت وتم تغذيتها خلال السنوات الماضية. ونتيجة لذلك فإنك سترى حجم الأسلحة الموجودة داخل اليمن والتي تقوست الظهور من حملها وفاح الصدأ من عرقها. ولو أن حكمة أو عقلاً أو قلوباً رقيقة سكنت الصدور لكان الاستثمار في الجغرافيا بدلاً من تمزيقها ولأقيمت المدن السكنية وانتشر الاستثمار وأقيمت الطرق والمطارات والموانئ والمصانع والفنادق وفتحت أبواب السياحة وحلت عدن محل رأس علي، وبصراحة إن بقاء الأحزاب السياسية على هذا الحال دون تطهير ذاتي والانطلاق نحو المصالحة مع الذات ومع الآخر فإن الأمر يعني أن الشعب اليمني سوف ينتظر عشرات السنين حتى يتحقق التغيير، لأن هذه الأحزاب غير قادرة على التعامل مع التقدم الحضاري الواسع.
ولكن هل الأمر مرتبط بالقوى السياسية وعلينا أن ننتظر ذلك التغيير؟ الإجابة طبعاً لا.. نحتاج إلى حكومة قادرة على إقامة بنية أساسية تستطيع استيعاب الاستثمارات وتستطيع في الوقت نفسه تهذيب الصراع وتقنينه. والسؤال الذي يواجهنا مرة أخرى: هل الحكومة الراهنة قادرة على ذلك؟ الإجابة لا لأن هذه الحكومة محكومة بفعل الواقع وليس بفعل الضرورة فالحكومة كبيرة ومتضخمة بالوزراء والمبادرات الفردية قليلة جداً والأحزاب متربصة ببعضها البعض تحاول إعاقة كل شيء حتى تثبت صحة أقوالها. نحن أمام حكومة حزبية حتى وإن قيل أنها حكومة كفاءات، فهي تحمل صحفاً مليئة بالخطوط، وأخرى مغمسة بالحبر، فكيف سنصنع يمناً جديداً إذن؟
لقد رفعت شعارات القومية هي الحل والإسلام هو الحل والديمقراطية هي الحل، وأنا أقول الشعب هو الحل... ارجعوا له إرادته المسلوبة وقراره المختطف وهو سيقدم الحلول الحقيقية.. الشعب هو القادر على حل الأمراض المستعصية.
إذا أردتم دستوراً فدعوا الشعب يقول كلمته فيه ولا تضللوه.. وإذا أردتم أقاليم فارجعوا إلى الشعب، وإذا أردتم حكومة كفاءات فانتخبوا من كل محافظة واحداً وإذا أردتم مجلس شورى، فلا تعينوا بل اتركوا الأمر للانتخابات وكذلك مجلس النواب وإذا أردتم خروجاً من هذه الأزمة فاغلقوا الأحزاب السياسية لمدة خمس سنوات ودعونا نتكلم خلال هذه الفترة ونتجادل حول القضايا الاقتصادية ونترك القضايا السياسية لبعض الوقت. دعونا نتحرك إلى الأمام ونتناقش في الاقتصاد لأن الحديث عن السياسة يمكن قوى ظلامية تأخذ الوطن بقوة إلى الخلف وتدفعنا ببربرية ووحشية. نحتاج إلى جعل كل أحاديثنا وحواراتنا حول الاقتصاد والتنمية حتى نتخلص من كل ما هو متخلف ورجعي ونتجاوز الإخفاق السياسي، علينا أن نبني اليمن الجديد وهذا يعني ألا نسلم البلاد أو نقدمها مكافأة نهاية خدمة للمليشيات.