الذين توهّموا أن الخروج من نطاق القيم المرجعية الحاكمة للقول والفعل والفاصلة بين الحسن والقبيح لن يرتد عليهم بالوبال والخسران ما دام ضد الخصوم والأعداء ولصالح الذات والجماعة, أقول الذين توهّموا هذا جهلوا أو تجاهلوا أن القيم لا تحابي ولا تجامل ولا تنحاز إلى فريق ضد آخر, بل تقيم على الجميع حكمها بما توجبه عليهم من التزام أو فسوق.
لا يمكن للكذب مثلاً إلا أن يكون كذباً يوجب على مقترف إثمه اللعنة والخسران, ولا يمكن أن يخرج الكذب من طبيعته القبيحة بزعم أنه يصبح محموداً ما دام يخدم الأخيار ويُحارب الأشرار, ذلك أن مثل هذا الزعم لا يدع مجالاً للتفريق بين الخير والشر على أساس من التضاد القيمي بين الصدق والكذب, فإذا كان الكذب خُلق الأخيار فكيف يكون جرماً وقبحاً عند الأشرار، وكيف نفرّق بين الفريقين وقد جمعهم الكذب في صعيد أخلاقي ذميم..؟!.
برز في سياق الانتفاضات الشعبية التي شهدتها بعض الأقطار العربية في العام 2011م, اتجاه يدعو إلى الخروج من حاكمية القيم المرجعية وتبرير الأخذ بقيم الشر والأخلاق الذميمة, بدعوى أنها تخدم انتفاضة الشعوب وتسهم في دحر وهزيمة سلطات الاستبداد والفساد, وقد تجلّى هذا الوقوع الخاطئ في الإثم والشر عندما دعت جماعات المعارضة أعداء الأمة في حلف الأطلسي إلى غزو بلدانها وإسقاط نظم الحكم فيها معلنة جواز الاستعانة بالشيطان ضد أعدائها وخصومها في سلطة الحكم, فكانت بهذا عوناً للشيطان بل جند له بإطلاق.
وفي سياق خروجها من نطاق القيم المرجعية سخّرت وسائل الإعلام لخدمة حربها على نظم الحكم وسلطاتها بسيل من الأكاذيب وصور من التزوير بالغت في تشويه صورة الخصم وتجريده من أية فضيلة أو محمدة تُحسب له, حتى وصل بها الأمر إلى تجريده من إنسانيته وتركيب صورة له هي الشر المطلق, وذلك لكي تبرّر إسقاطه وتبرّر بذلك ما قد اقترفته من رذائل تزعم أنها تخدم ما تسمّيه «ثورة ضد الطغيان».
لم يمض وقت طويل حتى تكشّف للناس في ثلاث سنوات رذائل من وصفوا أنفسهم «الثوار» بأبشع من تلك التي قالوها بالحق والباطل عن خصومهم, بل إن إقدام كثير من القيادات المعارضة للحكام على امتهان كرامة الحاكم ومصادرة حقّه الإنساني في الكرامة ارتد على هؤلاء أخزى مما اقترفوه ضد الخصوم؛ ذلك لأن الخروج عن القيم السامية والأخلاق الحميدة يحطّم حدود الحق وميزان العدل لصالح القبح المندفع بالقوة في الثأرات والانتقام والتنكيل بالخصم وانتهاك حرماته المصانة بالقيم والمحصّنة بالأخلاق الحميدة التي تحفظ إنسانية الانسان وهو مُدان بالجرم وفحشه وتصون كرامة الخصم والعدو؛ لأنها الخير الذي يسمو بكل حميد وكريم من القيم والأخلاق.
Albadeel.c@gmail.com