ستبقى اليمن, الوطن والإنسان, في دوامة أزمة لا تنتهي ويلاتها ولا تتوقف كوارثها مالم تدرك قوى الصراع على السلطة أن بمقدورها إدارة هذا الصراع وحسمه بآليات سلمية وآمنة تحفظ حقوق الجميع وتضمن مصالحهم وتقيمها بينهم بالعدل وسيادة القانون.
وللوصول إلى دولة قادرة ونظام جامع وصراع سياسي سلمي آمن ينبغي أن تصل قوى الصراع إلى التوافق حول المشترك الجامع لها وبينها, والقبول بالتداول السلمي للسلطة, وذلك يعني المشروع الوطني للدولة, والذي يبدأ من عملية انتقالية ضمن مرحلة زمنية تنتهي بالتأسيس للدولة الوطنية.
كانت هذه الفرصة متاحة لليمنيين بعد الانتفاضة الشعبية التي فرضت التغيير الشامل للنظام عام 2011م, وحددت لتحقيقـه تسوية سياسية وعملية انتقالية محققة للتوافق والشراكة خلال فترة زمنية مدتها عامان, تبدأ من نوفمبر 2011م, وتنتهي في فبراير 2014م, لكن هذه الفرصة أهدرت عفواً وقصداً, ليدخل اليمن بعدها دوامة أزمة لم تتوقف عند تطورات المواجهة المسلحة يومي الاثنين والثلاثاء 19, 20 يناير 2015م.
التداعيات المعلومة والمجهولة لهذه التطورات تضعنا أمام أخطار البقاء طويلاً في دوامة أزمة دائمة ومتجددة, لأن قوى الصراع على السلطة تصر على التمسك بالقوة لإدارة الصراع السياسي وحسمه وتجنب التوافق على نظام ديمقراطي جامع, ومن ثم تجنب الحوار حول عملية انتقالية جديدة ضمن برنامج عملي واضح المهام والمدة الزمنية للتنفيذ, وهذا مالم يتحقق في اتفاق السلم والشراكة الوطنية, وتجنب زعيم جماعة أنصار الله المبادرة اليه في خطابه المتلفز مساء الـ 20 من يناير 2015م.
الأولوية الآن بحكم الواقع والوقائع هي لاتفاق سياسي على عملية انتقالية جديدة, تستوعب الفشل المتتابع, وتقدم للجميع فرصة أخرى للخروج من دوامة التأزم, إلى متاحات الانفراج الممكن بالتوافق بين قوى الصراع على تسوية تاريخية حاسمة وصادقة في التعبير عن الإرادة الشعبية التواقة إلى التغيير الشامل والكامل, وأي تجاهل لهذه الأولوية سيبقي الجميع في دوامة صراع منهك ومدمر لما تبقى لدى اليمنيين من جهد وقدرات.
ومن المهم بل والأهم أمام قوى الصراع أن تدرك واقعها بكل ما يتحرك فيه من قوى لا تجتمع تحت مرجعية جامعة وملزمة وتحتاج إلى هذه المرجعية المتاحة بتوافقها على مرحلة انتقالية جديدة, تحدد المهام الواجب أداؤها ضمن فترة زمنية تنتقل بالجميع إلى رحاب دولة وفضاءات نظام ديمقراطي وحكم رشيد.
albadeel.c@gmail.com