لم يمضِ وقت طويل على وسائل الإعلام الغربية حين استبدلت اسطوانتها الحافلة بالحديث عن الجهاد والمجاهدين في أفغانستان أواخر العقد الثامن من القرن الماضي, باسطوانتها الجديدة عن الإرهاب والإرهابيين العائدين من أفغانستان.
كانت الحرب الباردة تفرض على القُطبين خوض صراعاتهما على المصالح والنفوذ في العالم من خلال ما عُرف بـ«حروب الوكالة» عن المعسكرين, وكان الإسلام وكثير من أفراده وجماعاته ودوله أهم وكلاء الغرب في التصدّي للمعسكر الشيوعي ومحاربته نيابة عن الغرب والرأسمالية, وكانت أفغانستان أبرز وأهم حروب وكلاء الغرب ضد الشيوعية من بين المسلمين وباسم الإسلام.
مرّة أخرى, أعاد الغرب استراتيجيته الجهادية في أفغانستان باسم الثورة وتغيير النظم العربية المغضوب عليها غربياً بذريعة الاستبداد.
ومن ليبيا أعادت الدول الغربية أبوابها المفتوحة لمرتزقة الجهاد الجدد باسم الثوار الذين احتشدوا من كل بقاع العالم إلى ليبيا وسوريا, بدعم وإسناد من ذات الحلف القديم للجهاد في أفغانستان.
دورة أخرى, تخرج من كهوف المخابرات الغربية باسم الجهاد والثورة, مستخدمة وكلاء في حروبها ضد الخصوم والأعداء تحت مسمّى المجاهدين أو الثوار, والذين يصبحون بعد انتهاء المهمّة أو قرب انتهائها إرهابيين ومصدر خطر يتهدّد العالم, حيث يحتشد للحرب عليهم من استخدمهم لخدمة سياساته ومصالحه قبل العدو الذي حاربوه بالوكالة عن الغرب ونيابة عنه وبدعمه وإسناده سرّاً وعلانية..!!.
وفي كل دورة لـ«الحرب بالوكالة» يُحشر الإسلام بالإفك والبهتان ليكون ضحيّة مزدوجة في البدء والختام, حيث يستخدم اسمه ابتداءً في حشد مرتزقة الجهاد وتغطية ما يقومون به من فحش الإجرام, ثم يتحمّل الإسلام إثم ما اقترف باسمه حين يتحوّل الغرب إلى التخلُّص من مرتزقته، باعتبارهم إرهاباً وإرهابيين؛ غير أن هذا الاستخدام لا يعدم سنداً له في الصور المشوّهة السائدة للإسلام.
لم تخرج عصابات «داعش والنصرة» من ثرى الأرض العربية في سوريا والعراق, كما لم تنزل هذه العصابات إلى تلك الأرض من سطح القمر أو كوكب المرّيخ, وإنما حشدت هذه العصابات إلى تلك البقاع بعمل منظّم أشرفت عليه الاستخبارات الغربية, وموّلته وسهّلت سفره وعملية تسلُّحه ودخوله إلى ليبيا وسوريا, وتستّرت على حقيقته إعلامياً, حتى تأكد لها عجزه عن الحسم في مهمّته بسوريا, فانقلبت ضدّه بائتلاف دولي ضخم يحارب مارداً خرج من الكهوف الغربية، متدثّراً بأساطير تتجاهل التمويل والحشد والتسليح والتدريب الذي قدّمته الدول الغربية لمرتزقة الجهاد وثواره في سوريا, فمتى تنكشف الحقيقة في هذه الكهوف..؟!.
albadeel.c@gmail.com