كل هذا الجنون «الداعشي والداعشي المضاد» جاء من الوعي الباطني للعقل الإسلامي العربي الذي خضع للفتوى منذ قرون بعيدة بعدما عملت على حرف التسامح الديني وتجانس المجتمعات والتشنيع بأي فعل للسوية الإنسانية وللأخلاق وللتنوير وللفكر الاجتهادي المتجدّد، تحديداً منذ تسويغ الاستغلال السياسي للدين ولو بأشنع وسائل الترهيب العصبوي وطرق السيطرة والتحشيد والانتقامات والانتقامات المضادّة فضلاً عن تعطيل الفكر الحر قبل هذا وذاك.
على أن كل هذا الهوس الدموي يكمن جذره ما قبل الديني في الغلبة بالمفهوم الخلدوني طبعاً، بينما لا أسوأ من انفلاتات الغلبة الهوجاء سوى تكليلها بالدين ومذهبياته وما يتفرّع من هذا الاضطغان الذي يزعم المظلومية وقد صار ظالماً أو الجهاد في المكان الخطأ من صراع عشائر وطوائف وقوميات.. إلخ.
زاد أن التطرف الإسلاموي صار قبلة مفضلة لمرحلة ما بعد الحرب الباردة، حيث حروب النفط والتفتيت والتشويه والعبث والفوضى وتوجيه المدارك العالمية والإقليمية إضافة إلى رغد صفقات سلاح العقائد المسلّحة وتكريس سياسات الشرق الأوسط الجديد وهندسة الدول والمجتمعات بأمزجة العنف الداخلي الهائج باسم الله وشريعته زوراً.
العنف المؤجّج بعوامل استغلالية خارجية لإنتاج حصص الدول النافذة العابرة للحدود مع عدم خروج العقل الإسلاموي العربي من مآزقه إلى آفاق أرحب على كل الأصعدة، يحتاج الأمر إلى حركة إصلاح ديني تعيد إلى الدين جماليته وروحانيته وقدرته على تعايش المجتمعات وإبداع الدول، رهان مغامر في ظل تجريف السيادة وسطوة مسعّري الحروب إقليمياً ودولياً للأسف.