الذين جعلوا من قبولهم بالمبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية توقيعاً مفتوحاً على نيّة الوصول بها إلى مآربهم الخاصة وأغراضهم المضمرة, لم يحصدوا غير الفشل ولم يحقّقوا غير الأزمة الكاملة وتعقيداتها الراهنة على كل صعيد.
ربما تكون أولى وأهم المؤشرات على بوادر انفراج ممكن ومتاح في الأزمة الراهنة, تلك التي تكشف لنا ندم الساسة على تفريطهم بالعهد والوعد اللذين مكناهم من ولاية السُلطة وإدارة الوطن في مرحلة انتقالية أضاعوها وأضاعوا بها طموح الشعب في التغيير وبناء يمن جديد في مستقبل واعد بالسلم والازدهار.
لا نريد من هذا الندم أن يبكي أطلال ما فاته في الفترة الانتقالية بقدر ما نريده حافزاً على وعي اللحظة وإدراك ما تحمله من أخطار وما تفرضه من مسؤوليات, وما تعد به من فرصة للنجاة والخلاص, علّ هذا الوعي والإدراك يفتحان في جدار الأزمة الراهنة ثغرة للخروج منها أو فرصة لتدارك ما تحمله من مخاطر وويلات.
وحين يستمر أصحاب الفشل وأطراف الأزمة والصراع في التنصُّل من مسؤولياتهم فيما جرى وفيما يجري الآن, مستندين إلى ذات العقلية التي تريح نفسها بتحميل غيرها المسؤولية وإدانته بجرم ما وصل إليه الجميع بأداء ما عليهم من واجبات ومهام, أقول حين يستمر هذا المنطق ويهيمن على القول والفعل في المجال السياسي وبين قواه جميعها؛ فإن ذلك لا يبشّر بوعد ممكن للانفراج في وقت معلوم ومدى قريب.
لا خير في خطاب يتهرّب قائلوه من مسؤولياتهم بدعوى أن طرفاً يتحمّل وحده مسؤولية الفشل والانهيار, ففي هذا القول حال صدقه في الوصف والتفسير, تتحدّد مسؤولية قائليه بالتصدّي لهذا الطرف, ووقف ممارساته التي تقودنا جميعاً إلى الفشل والانهيار, وهكذا, لا يحكم التاريخ على طرف بعينه بل يحكم على جميع القوى المشاركة في صنع هذا التاريخ بما لها فيه من موقف وفعل يجسّد موقعها في خارطته ودورها في حركته بالقدر الذي تتحمله مسؤوليتها وتطبق أداؤه في المكان والزمان.
أتحدّث هنا بتعميم يتجنّب الخوض في تفاصيل تثير الخلاف وتخرجنا من دائرة التقارب على المسؤولية المشتركة لجميع القوى السياسية في إدارة الوقت المحمول على صواعق الانفجار الشامل والكامل, إدارة بعيدة عن الحسابات الضيقة والمكايدات الحزبية, وبوضوح لا لبس في ولا غموض, وبصورة تعيد اليقين إلى الرأي العام بما هو عليه من أزمة وما بمقدوره من إمكانات الحل المتاح بالتوافق على الصالح العام والشراكة المنضبطة بالمؤسّسات والنظام وسيادة القانون وحده على الجميع وبين الجميع بعدل وسلام.