للولوج إلى عالم النقد وتضاريسه الوعرة لابد من إشارات عابرة لمنشأ هذه الأداة السحرية في التبادل والتجارة وكيف أنها موصولة بالتقسيم الاجتماعي الأول للعمل .. ذلك التقسيم الذي تحدث فيه وعنه علماء الانثربولوجيا والاجتماع والسياسة وحددوا معالمه الأولى في أول تقسيم للعمل ترافق مع نشوء الملكية الخاصة والتنظيمات الاجتماعية المترافقة معها .
يومها لم تعرف البشرية النقد كوسيلة للتبادل بل كان الإنتاج الزراعي والحرفي يتم تبادله على قاعدة المقايضة .. لكن هذه القاعدة انكسرت نتيجة التفارق بين كميات المواد الزراعية والحرفية مما جعل الإنسان يبحث عن مادة بديلة تكون معياراً وسطياً للتبادل فجاءت أول عملة مصكوكة من الذهب والفضة .
أي أن الذهب والفضة شكلا قيمة معيارية، الأمر الذي جعل منهما محط اهتمام وبحث دؤوب من قبل الناس .
لم تكن تلك عملة مشابهة لعملتنا الراهنة بل إنها كانت مجرد بضاعة تتسم بعدم التقادم والندرة مما يؤهلها لتكون وسيلة مناسبة لتبادل مختلف القيم المادية الإنتاجية .. وبتواصل هذه العملية تباعاً كان لابد لقيمة الذهب والفضة من الارتفاع التدريجي وبالمقابل تناقص الكميات الذهبية والفضية التي يتم التبادل بواسطتها مقابل إنتاج معلوم وبكمية معلومة.
شهدت الحضارات القديمة عملة الذهب والفضة كما تدل اللقى والشواهد الأثرية، واستمرت هذه العمليات لآلاف السنين ولم يكن الإنسان بحاجة إلى تقديس الذهب أو الفضة واعتبارهما أساس الأسس في حياته، بل إن المسألة لم تكن تتعدى نطاق الدور المحدد للعملتين الذهبية والفضية بوصفهما مستودعاً للقيم المادية المباشرة ووسيلة مناسبة للتبادل .
لكن استمرار هذه المتوالية أدى إلى تكنيز الذهب والفضة ونشوء بدايات الاستحواذ على هذه المادة النادرة، الأمر الذي أفسح الباب لتطور لاحق تمثل في تحول الذهب والفضة إلى عملة حقيقية تنكتب عليهما أسماء الدول وشعاراتها وتخرج في التداول عن نطاق المكان والزمان، مكرسة ذلك البعد السحري الخطير للعملة والذي سار تباعاً على طريق الصعود الخطير والسيطرة على مقدرات الاقتصاد والحياة .
Omaraziz105@gmail.com