في مُدن العواصف الطبيعية.. كما حدث في إعصاري «ريتا» و«كاترينا» بجنوب الولايات المتحدة، وجدنا أن الدَّهماء باشروا أعمال سلب ونهب؛ اقترنت بقدر من الغياب النسبي لمؤسسات الدولة، وكانت تلك بمثابة إشارة دقيقة لمعنى الانتقالات التي تحصل في المجتمعات البشرية عندما تغيب الدولة ويتعوَّم القانون، سواءٌ اقترن الأمر بفعل سابق على إرادة البشر ومزاجهم الطاغي حيناً، أو بفعل جماهيري نابع من صُدْفة اقترنت بضرورات سابقة عليها أحايين أُخرى، كما حدث فيما سُمِّي بربيع العرب.. فما بالنا بتلك العاصفة المفاجئة العاتية التي عصفت بسلسلة من أنظمة العرب التليدة، وهي تتأرجح بين طرفي المعارضة غير الموحّدة جوهراً وأصلاً، وإصرار النظام القديم على إبقاء الحال على ما كان عليه، دونما إدراك لأهمية مواكبة المُتغيِّر الموضوعي بأدوات مغايرة، وبوجوه جديدة، غير ملتبسة برزايا النظام السابق.
هذه الحالة من التأرجح الأكروباتي بين طرفي الحبل الواهن للسلطة المسترخية في أحضان مألوفاتها، والمعارضات غير الموحّدة، فتح باباً واسعاً للاستيهاميين، وأصحاب الأجندات الصغيرة، والمنتشين بظفر الانتقالة التي لم تكتمل ملامح نموها الجنيني، فيما أعاد تدوير عجلة الأزمة بكيفية تنذر بطور جديد لزلزال قد يكون أدْهى وأمر.
وسنستعين مرة أُخرى بقانون الطبيعة، لنرى أن العاصفة الاستوائية الطبيعية تُغيّر وجه الحياة في مناطق عَصْفها العاصف.. لكنّ هذا التغيير يمر بمرحلتين: مرحلة تدمير مؤكد.. يليها انبثاق شروط جديدة، لحياة متجدّدة؛ كما هو الحال في الفيض المائي النهري والمطري الذي يؤدي إلى خرائب لا مفر منها.. لكن تلك الخرائب تُمثِّل المُعادل السحري لانبثاقة حياة جديدة ومتجدّدة.
مثل هذه القوانين تسري في المجتمعات البشرية، وهي تعبير أقصى عن حالة الصدمة الذهنية القادمة من ثنائية الوثوق الإنساني المستعجل للتغيير من جهة، وقانون التاريخ القاضي بجبرية الخراب قبل تسوية الأرض لمجرى الحياة الزاهية المأمولة من جهة أُخرى.
Omaraziz105@gmail.com