ـ كنت طالباً في الإعدادية.. أو أنهيت الشهادة الإعدادية والتحقت بعدها بالمعهد العالي للمعلمين، وغادرت إلى صنعاء حيث يوجد دار لمعهد المعلمين في قاع العلفي، والذي كان فيما بعد نواة لجامعة صنعاء.. وكان منهجنا هو منهج الثانوية العامة “علمي أدبي” إضافة إلى المواد التربوية، وفي ثلاث سنوات أنهينا الدراسة، وحصلنا على الشهادة الثانوية العامة.. وبعد امتحاناتها بدأت امتحانات المواد التربوية لنحصل على دبلوم المعلمين إلى جانب الثانوية.. المعهد كان يضم طلاباً من المناطق عموماً من صعدة، ومن حجة، ومن إب، ومن صنعاء، ومن تعز، ومن الحديدة، لكننا كنا نعيش مع بعض كالاخوة، وكنا في الصلاة حسب المذاهب الذي يضم يضم، ومن يسر بل يسر بل، وكانت “حي على خير العمل” لا تلفت أي انتباه لنا فلا كنا نرفضها أبناء تعز، ولا كان زملاؤنا يستنكرون علينا آمين..
ليس هذا وحسب.. بل كانت صنعاء تكتظ بالسكان من كل محافظات الجمهورية بما في ذلك المحافظات الجنوبية، أكثر من ذلك أنهم تزاوجوا، وتصاهروا فيما بينهم مع اختلاف المذهب، وكنا نلاحظ أن صنعاء كانت تحتضن أيضاً أناساً من حراز، والذي كان هناك من يحاول الإساءة إلى مذهبهم وهو كما يقال الإسماعيلي، ومع كل ذلك لم يحاول أحد إيذائهم، وكان الجميع يعيشون بسلام، ووئام، ولم تؤثر اختلافات المذاهب في العلاقات الحسنة، والطيبة بين أبناء اليمن.. فنحن نعلم أن كل مراكز المديريات في تعز يتواجد فيها من كل المناطق الشمالية، فقد حلوا في هذه المناطق كموظفين وتزوجوا من المديريات في شرعب، ومديريات الساحل، والحجرية، وماوية، وكذا التعزية، وخدير، ومديريات صبر، وخلفوا الأولاد والبنات، ومازالوا حتى الآن في هذه المديريات، ولا أحد يعترض على سربلتهم، أو عدم تأمينهم في الصلاة.. لأن الجميع كان لا يعر هذه المسائل أي أهمية كونها ليست مسائل خلافية، وهكذا حين كنت في صنعاء للدراسة، وزعت للعمل في مدارس في صنعاء، بحكم عملي، وحبي للمعرفة كنت استغل الامتحانات العامة لطلب أن أعمل في لجان امتحانات تعمل في المديريات المحيطة بصنعاء بدافع حب المعرفة، وخلال الإجازات كنت أحب السفر نحو المحافظات الشمالية أو الشرقية، وأذهب وأعود دون أن أتعرض لأي أذى.. بل على العكس كان أبناء القبائل يحرصون إلا يمسني أي أحد بأذى لأني غريب، وهناك في الأعراف والتقاليد القبلية تشدد على احترام الغرباء، وعدم إيذائهم، رغم معرفتهم أن الغريب مخالف في المذهب، إلا أن هذا لم يكن مدعاة للخصومة، والكراهية، والتكفير والعدوان على بعض.
ـ كنا نعيش في اليمن في أمن وسلام ووفاق، وحب نتزاوج، ونتصاهر حتى جاء من يعكر علينا الحياة الطيبة، ويثير، ويشعل الفتن بيننا، ويعمق الخلافات، ويزرع الحقد والكراهية فيما بيننا، ويدفعنا لحرب بعض، وتكفير بعض، وإباحة دم بعض، وتفجير الوطن بالمتفجرات والمفخخات الآدمية، والآلية، ويقتل الأبرياء...والخ.. ويمزق الشعب، مع أن الإسلام كتاباً، وسنة يحرم ما يجري، ويجرمه.. فالدين الإسلامي دين بناء، وعمل، وأمن واستقرار، ويشدد على حماية النفس البشرية، ويحرم دم المسلم على المسلم، ويحرم الفتن.. فهل يعي أبناء بلادي، ويعودوا إلى الصواب والرشد، ويصطفوا ضد من خرب ويخرب حياتهم؟!!