سقطت أنظمة العرب الجمهورية بذات الأدوات التي ارتهنت لها، فقد سقط نظام صالح بأدوات التعددية التي تصورها مستشاروه قابلة للمحاصرة، وسقط نظام العقيد القذافي بذات المنهج العنفي السيكولوجي الذي رأيناه في صور السحل والطعن والقتل، أثناء تعذيبه وقتله، ومن اللافت أن ذات الأسلوب كان يتبعه النظام في كيفية التخلص من معارضيه الذين كانوا يُسلَّمون للسحل والتعذيب والطعن والإهانة من قبل معسكرات الجنود المُطالبين بتنفيذ ذلك النوع من القصاص البدائي السيكوباتي.
الانهيارات المتتالية لسلسلة من أنظمة العرب الجمهورية الأتوقراطية ما كان لها أن تسفر عن بديل ناجز، قياساً بمنطق التاريخ وقوانينه الموضوعية، فكان الحاصل ما رأيناه من فراغ سلطوي عطَّل دور المؤسسات، وفتح الباب لفوضى عارمة في الشارع ، وقلَّل من هيبة الدولة ومؤسساتها .. لكن هذه التداعيات لم تكن مجرد سياق منطقي للانكشاف الكبير الذي تلا سقوط الأنظمة، بل كان أيضاً وضمناً تعبيراً عن تناطح ثيران الاستقطاب السياسي، والتمترسات الضيقة التي غادرت مفهوم الوطن لتلتحق بركب الفئة الصغيرة، وتبرر ما تذهب إليه من تجاوز للسياق العام للتطور.
حدث ذلك في كل بلدان الربيع العربي التي أثارت نقعاً سينقشع يوماً ما لا محالة، وخاصة إذا أدرك فرقاء الخيار العصري الحداثي أنهم بحاجة ماسة إلى تحالفات واسعة تجمع الليبراليين والقوميين واليساريين، مع استيعاب ضمني لمقتضيات استعادة الدولة المخطوفة من خلال استكمال هياكلها القانونية الدستورية وبنيتها المؤسسية الطافية، ومحاصرة الجماعات المتشددة ذات الأهداف المريبة، ومناجزة التعليم الفراغي الذي يستهدف العقول الشابة الفتية، لتتحول إلى صواريخ بشرية عابرة للمنطق والعقل.
لن تتم هذه المحاصرة والمناجزة من خلال الأدوات الأمنية المجردة على أهميتها، بل أساساً من خلال تدوير التنمية، والتخلي عن المركزيات الفجَّة، والنظر إلى مصالح الشعوب، والتداعي الحُر مع المُتغير الحاسم الذي يضعنا أمام إكراهات لا مفر من التعامل معها.الانعطافة المصرية الواعدة ستمثل منصة الانطلاق التجريبي المفاهيمي لبقية البلدان العربية الواقعة في ذات السؤال، وما ستسفر عنه الانتخابات الرئاسية والبرلمانية في مصر العربية سيمثل نموذجاً لبقية الكيانات العربية الطافية في فضاء الأزمة المتواترة، وذلك عطفاً على ما جرى خلال السنتين الماضيتين. العام الجديد مُترعٌ بالكثير من المفاجآت التي تتناوبها المسرات والأحزان .. لكنه التاريخ يمضي إلى مصائره غير مُعوِّلٍ على رغباتنا وآمالنا التي طالما تعرضت لخيبات متتالية.
Omaraziz105@gmail.com