مَعَ إطلالةِ ذِكرى ثورةِ الشبابِ 11 فبراير , تُطِلُّ وُجوهٌ شاعرة ٌ رائعةٌ تضيءُ صباحاتِنا بالأملِ والعنفوان.. وأصواتٌ تَصْعَقُ غيبوبةَ مساءاتِنا السّاهِمَة الغافِلة بِبَرقِ الشِّعرِ وَرَعْدِه..ولَقَدْ كانَ فَوزُ عبدِالعزيزِ الزّراعي بِإمارةِ الشِّعرِ العربيِّ فِيْ نَفْسِ السَّنةِ إعلاناً عَنْ ثورةٍ شعريةٍ يمنيّةٍ موازيةٍ كَامِنةٍ ومَطْمورة.
مِنْ هذهِ الوجوه والأصْوَاتِ ثمّةَ وجهٌ مرسومٌ في آفاقِ الوقتِ مثلَ حُلم.. إنّهُ وَجْهُ الشاعِرِ الشابِّ يحيى الحمّادي .
قصائدُ يحيى الحمّادي زفراتُ ثائرٍ مكلومٍ, وجِراحٌ تُغنّي, ولأنّها مَا تزالُ حارّةً طازِجةً فإنّها تَسيلُ عذاباتٍ قانيةً صارخة.. إنها لا تُغنّي فحسب بل تَنْشُج.. إنها ندى أيامِ الجمرِ والرمادِ والثورة, .. بكاءُ الماءِ ينسابُ بينَ الأصابع,..شهقةُ الجمرِ يلفظُ أنفاسَهُ الأخيرة,.. إغفاءةُ أهدابِ الشهيدِ مغمورةً بالدَّمِ والحُلم,..إنّها الضُّحى يرثي نَفْسَه, والشفقُ يكتئبُ وحيداً.. هائماً.
الشاعرُ هُنا الشاهدُ والشهيد, العذابُ والعُذوبة, الجمرُ والرماد.. فُتوّةُ الضُّحى وظَهيرةُ السَّراب.. وأحزانُ الشفقِ الغاربِ اللاهِب.
شاعرٌ يُطِلُّ مِثلَ نُبوءةٍ مُفاجِئة, ويَنْهَمِرُ مِثلَ صَبَاحٍ عَاصِفٍ يَسِيْلُ في ساحةِ التغيير دَمَاً ودُموعاً, أملاً وآلاماً , نُوراً وناراً,.. شاعِرٌ يفتَحُ صدرَهُ للنّارِ قبلَ أنْ يَحمِلَ صَديقَهُ الشهيدَ بينَ يديه..
هَلْ تذوّقْتَ طعمَ الرصاصةِ تعبُرُ ساخنةً
وهي تَسْحَبُ أوتارَ قلبِكَ في دربِها
نحوَ دارِ السّلامْ
هل حَمَلْتَ شهيداً, ولمّا يزلْ دافئَ الصّدرِ
مُختنِقاً بالكلامْ؟
هَلْ وقفتَ لتُخبِرَ والِدَهُ
أنّهُ.. أنّهُ..
هل كتبتَ على قبرِهِ (كُلَّ عامْ..)؟
ولأنّ الشاعِرَ قُدَّ مِنْ زَنْدِ السّاحةِ ونارِها, وانْبَثَقَتْ موهبتُهُ في قلبِ عاصِفتِها.. فإنّهُ يَتوعّدُ أعداءَ الرّبيعِ اليمنيِّ بالثّأر.. وأعداءَ ثورةِ الشَّعبِ اليمنيِّ الجديدةِ القديمةِ بالانتقام..
أيْلُولُ لا تحزَنْ فما زالَ الحديدُ البِكْرُ ساخِنْ
قَسَمَاً بِرَبِّ "نِزارِنا" لنْ نسْتَكينَ, وربِّ "مازن"
سنظلُّ نطلبُ ثأرنا والحقُّ لا يُلغيهِ ضامِنْ
إنّهُ الشاعِرُ يعيشُ كُلَّ لحظةٍ دامية ,وهُنيْهَةٍ فائرة. في ساحاتِ التّغييرِ الثائرة .. يُقطِّعُ قلبَهُ للجياعِ , ويُبعثُ غيمةً أو وردةً تَحْدُوْ الرَّبيع, ربيعَ التّغييرِ والأملِ والمُسْتقبل..
قطَّعْتَ قلبَكَ للجياعِ , وقطّعوا
وطناً بِصدرِكَ لا يزالُ طريحا
لَمْ يقتُلُوكَ وإنّما لمشيئةٍ
أغْمضْتَ روحَكَ مُتعبَاً لِتُريحا
ولسوفَ تُبْعَثُ غيمةً أو وردةً
تحدو الربيع وتستميلُ الرّيحا
ولسوفَ تسري في الدماءِ قصيدةً
خضراءَ, تُنبتُ في الصخورِ الشّيحْا
* * *
إنّنا إزاءَ شاعرٍ أصبحَ صوتَ ثورةِ التغيير.. صوتَ شبابِ السّاحات, ولا بُدَّ أنْ أُشيرَ إلى أنّ قصائدَ هذا الشاعرِ كانتْ شُجاعةً جدّاً في تعبيرِها الشِّعْريِّ القويِّ عَنْ ما شابَ ثورةَ الشَّباب, وطغى على أهدافِها, بِفعل النُخَبِ السِّياسيّة, والأدوارِ الإقليميّةِ والدُّوَليّة, ولا أكادُ أجِدُ قصائدَ شاعرٍ عَبّرَتْ عن آمالِ وآلامِ الشَّعْبِ- وشبابُ التّغييرِ في صَدَارتِه- مثلَ قصائدِ الشاعرِ وآهاته .. وَعيٌ ناضِجٌ ونادِر, وشِعرٌ خالِصٌ,.. كأنَّهُ خُلاصَةُ شِعْرِيّةِ جِيلٍ بِكامِلِه..
خَرْنَا بِأكتافِ القرى لُجَّةَ الفَضَا
وغُصْنا بِقَلْبِ الصّخْرِ حتّى تَمَخَّضا
* * *
وطني, وعُكَّازي, وَفَوْجُ قصَائدٍ
سِرْنا نُقَشِّرُ عن ضُحانا اللّيلا
ومشى الصباحُ أمامنا ووراءَهُ
عُدْنا, وقد خَنَقَ اللّجامُ الخيلا
* * *
لا يُمكِنُ لإطلالةٍ أنْ تَسَعَ سَمَاءَ هذا الشاعر, وأنْ تُحيطَ بآفاقِ قَصَائِدِهِ شديدةِ الكثافةِ والشِّعرية, وهوَ ما يُنْبِئُ عَنْ شاعرٍ سَيَمْلأُ زمانَهُ, وعَصْرَهُ, لأنّهُ مُمْتلِئٌ, مُحتشِدٌ بِعُنفوانِ الشِّعر, وحَريقِ الشُّعور, حتّى أنّهُ لَيتمنّى أنْ يَهْدَأَ عَنْهُ الشِّعرُ ليلةً ,.. ليلةً فَحَسْب!
أَلا ليْتَ هذا الشِّعرَ ينزاحُ ليلةً
عن القلبِ, أو يُلقي عَصَاهُ المُسافِرُ
تكاثَرْتُ بالأشعارِ حتّى كأنّني
عليها ومنها أنزوي وأُغادِرُ
تكاثَرْتُ حتّى لمْ أجِدْ من تكاثُري
أنيساً يُداجي وَحْشَتي ويُحاوِرُ
معي من عُبابِ البحْرِ في القلبِ مَوْجَةٌ
وَبِيْ مِنْ عَجَاجِ الرِّيح في الرُّوحِ حافِرُ
* * *
يحيى الحمّادي.. وُلِدَ قَمَراً مُكتَمِلاً , بَلْ كَوْكَباً يَجرُّ مجرّةً ,.. إنّهُ رايةُ الشِّعرِ الجديدة, وبيرقُ الأملِ القادم, وَصَوتُ ثورةِ الشباب.. ثورةِ التغييرِ والسّاحات, لكنّهُ قبلَ ذلكَ وبعدَهُ,.. صَوْتُ الشِّعْرِ في أرقى تَجليّاتِهِ, وأروعِ آفاقِهِ المُدهِشةِ ضِمْنَ كَوْكَبةٍ يمنيّةٍ شابّةٍ شاعِرَةٍ جديدة نَأملُ أنْ تُضيءَ سَمَاواتِ الشِّعرِ العربيِّ في انْبثاقةِ الزّمانِ الجديد .