فـي تناولة سابقة كنت قد رويت قصة أحد رجال الأعمال اليمنيين عندما كان في طوكيو متسائلاً ببراءة عن سر تطور وتقدم هذا البلد؟
ولقد دهـش الرجل وهو يستمع إلى إجابة نظيره الياباني عندما أكد أن بلاده فقيرة في الموارد الطبيعية والمعادن، لكنه أضاف: أن الفرق مع الآخر، أننا نطوع ما نستورده في مختلف الصناعات وأحدث التقنيات ثم نعيد تصديرها إلى الخارج.
وهنـاك دروس عديدة نتعلمها على الدوام من اليابانيين وغيرهم من شعوب دول النمور الآسيوية التي استطاعت أن تحقق نهضة اقتصادية غير مسبوقة.. وكلها دروس تؤكد على منظومة متكاملة من الأداء الفردي والمؤسسي الذي يضع وينفذ هذه الاستراتيجية الهادفة بلوغ نسبة نمو تلبي احتياجات المجتمع أولاً .. ومن ثم تعزيز وتيـرة الاقتـصاد ثـانياً.
وفـي إطـار هذه المنظومة، أعتقد أن الاستثناء في الحالة اليابانية يكمن في أهمية بناء الإنسان الذي يشكل عماد التنمية الشاملة، إذ أن كل الدروس التي استوعبناها من التجربة اليابانية وغيرهم من الشعوب المتقدمة علمياً وتكنلوجيا، إنما يرجع بشكل أساس إلى مدى تفاعل الإنسان في هذه البلدان مع مجمل التحديات التي تتطلب قدراً من التأهيل ومواكبة مستجدات العصر.
أما الدرس الجديد القادم من هناك والذي أستحضره في هذه التناولة فيتمثل في تلك الحكاية التي لا تخلو من دلالة ..وكان بطلها مواطن ياباني عندما قدم إلى أحد محلات توزيع الخبز فوجد أن الكمية المعروضة أقل من المعتاد.. وعنـدما عرف أن سبب نقـص كمية الخبز ناتجة عن عطل أصاب مصانع توليد الطاقة جراء الفيضانات، بادر المواطن الياباني من تلقاء نفسه إلى أخذ نصف كمية الخبز التي إعتاد شرائها يومياً! ولا تعليق بالطبـع على هذا الدرس البليغ الذي قدمه المواطن الياباني، خاصة ونحن نعيش أزمة حادة في كل شيء، يتسابق فيها الجميع على الاستئثار بأكبر حصة من السلع والمنتجات والمشتقات حتى وإن لم يكن البعض محتاج إليها، إذ تجدهم في طوابير طويلة للحصول على سلعة لم يكن أكثرهم بحاجة إليها. ولا ضير أن يتساءل البعض بعد ذلك عن أسباب الأزمة التي نعيشها جراء انعدام المشتقات البترولية والديزل !!