لم يكن من باب التكثُّر ولا التكرار أن تتكرس بضع دفاتر فكرية خاصة بإصدارات الشارقة عاصمة الثقافة الإسلامية حول اسمين علمين في سماء الثقافة الإسلامية التاريخية، خاصة وأن هاتين القامتين الفكريتين مثَّلتا المحطة القُصوى في جدل الحوار الخلاق بين العقل والذائقة في أُفق ما، كما مثَّلتا جوهر السؤال الموضوعي الذي حاصر علماء الإسلام يوم أن كانت السفسطة الجدالية الكلامية مقرونة بالترنُّح بين قطبي الوجوب والرفض .. نعم أو لا . لكن الغزالي وابن رشد وقفا عند تخوم الجواب الذي يقول بهما معاً .. يقول (نعم ولا) في ذات الوقت. لهذا السبب بالذات التبس الأمر على مُحبِّي القامتين، والناظرين لمنجزهما الفكري، فمنهم من اعتبرهما خصمين لا يلتقيان، ومنهم من تجنَّح لصالح الموقف المثالي الصوفي الوسطي للغزالي، فيما مال آخرون لابن رشد العقلاني المُتفلسف كما يعتقدون، والحقيقة أن ابن رشد لا يخلو من نفحة خيال ما ورائي مُتجذِّر في الثقافة الاسلامية، وبنفس القدر.. لا يخلو الغزالي من الفلسفة بمعناها الواسع, ذلك أن الغزالي المتسائل يتمظْهر من خلال ترحاله المعروف في مفازات الحيرة والقلق والتساؤلات الوجودية المعرفية، فيما يتقاطع مع ابن رشد في أمر الفلسفة بمعناها الإغريقي، ولكنها تلك الفلسفة المَمْسوسة بشكل من أشكال اليقين الإيماني النابع من التوحيد الإسلامي الصافي.
في مؤلفه بعنوان (بين مثابتين .. منزلة الغزالي في فلسفة ابن رشد) ينتصر الدكتور محمد مساعد للغزالي وابن رشد معاً، مُعتبراً الغزالي بمثابة المقدمة الضرورية لفلسفية ابن رشد، ومن هنا يصل المؤلف ويفصل بين المستويين، رائياً لتكاملهما بدلاً من التناقض العدمي. أي أنه يرى في هذا التناقض بالذات، السبيل الأمثل لإجلاء مثابة القامتين، وإظهار المعنى الواحد الكامن في تضاعيف التمايز والتفارق الظاهر بينهما.
بهذا المعنى يصبح الغزالي مكوناً اصيلاً من مكونات الرشدية الفلسفية، والشاهد أن أدوات الغزالي المعرفية تومئ لمثابته في هذا الجانب، وبالمقابل تشير أدوات ابن رشد الوسطية لمعنى القبول بالمتناقضات على قاعدة الوحدة في المقاصد النبيلة، مما تبيَّن بجلاء في مقاله الهام بعنوان (فصل المقال فيما بين الحكمة والشريعة من اتصال).
Omaraziz105@gmail.com