بمعزل عن المماحكات الحزبية والمناخات السياسية الملبدة بالغيوم والأوضاع الاقتصادية الحرجة التي طبعت –ولاتزال- المرحلة الراهنة، فإن بادرة النواب لاستجواب الحكومة ومناقشة الحق الدستوري في سحب الثقة من عدمه قد أعاد النبض إلى الحياة البرلمانية بعد أن كاد المواطن يفقد باقي الثقة بمؤسساته التشريعية والتنفيذية على حد سواء.
خلال السنوات العقد والنيف المنصرم الذي أمضاه أعضاء مجلس النواب تحت قبة البرلمان، لم تساعد الظروف على إنضاج الحياة النيابية بما فيه الكفاية و بخاصة في تحقيق شرط الفصل بين هذه السلطة وباقي السلطات التنفيذية باعتبار أن مجلس النواب يد الشعب لمحاسبة المقصرين وتقويم الأداء الحكومي، حيث ظلت العلاقة طيلة تلك الفترات تتسم بالمداهنة والمجاملة والتسويات والمصالح المشتركة حتى في أحلك الظروف التي عاشها الوطن ،إذ لم يكن دور البرلمان يتجاوز حدود التلويح باستجواب وزير أو اثنين على أكثر تقدير.. وتنتهي الأزمة بتسوية ما بين المؤسستين التشريعية والتنفيذية وتعود المياه إلى مجاريها !.
ما حـدث أواخر الأسبوع المنصرم والنتائج التي آل إليها حضور الحكومة بكامل أعضائها أمام نواب الشعب والرد على استجوابهم ..ومن ثم عدم قبول أعضاء المجلس لتبريرات وتفسيرات الحكومة إزاء مجمل الاختلالات المعيشية والأمنية التي يشهدها الوطن ..ما حدث في تلك الجلسة الاستثنائية من سجالات معمقة وشفافة عبرت عن صدقية مبدأ الفصل بين السلطات و أشاع مناخاً من التفاؤل وعودة الثقة والروح إلى هذه المؤسسة ..وبأن نواب الشعب –وبعد عقد من الزمن – قد استوعبوا تماماً مهامهم وأدركوا بعد هذه الفترة حجم سلطاتهم التي يخولها لهم الدستور وعلى نحو شفاف لم يعهده المواطن من قبل في كل تجارب البرلمان السابقة.
ومع الاعتراف بأهمية هذه الخطوة في إطار تطبيق مبدأ الفصل بين السلطات فإن ثمة حاجة ماسة تستدعي التذكير بضرورة انصياع مختلف المكونات السياسية والحزبية –سواء داخل أو خارج البرلمان – تَمَثل هـذا التحول في أداء المؤسسة التشريعية ..وما إذا كانت تلك الخطوات استجابة لضرورات وطنية موضوعية أم هي تلبية لرغبات حزبية ضيقة وتضارب مصالح نفعية بين أطراف العملية السياسية، فإذا ما كانت تلك الاجتهادات تهدف إلى تلبية مصلحة وطنية فإنه أمر محمود ..وأما إذا كانت لهدف آخر فإنه يكون بمثابة الرهان الفاشل .. ويبقى الفائز في هذه المعركة نواب الشعب من حيث ترسيخ قيم الممارسة الديموقراطية وتكريس مبدأ الفصل بين السلطات التي ظللنا نتحدث عنها طويلاً دون تطبيق عملي!.