جاء الإعلان الأخير أثناء إجازة العيد عن ارتفاع أسعار المشتقات النفطية نتيجة رفع الدعم عنها بسبب عدم قدرة الحكومة على دفع فارق السعر بين السوق العالمي والسوق المحلية، وعندما حاولت الحكومة الاستلاف – أكثر من مرة – من المانحين لتغطية العجز المالي في الموازنة والأزمة التي كادت أن تقع عندما لم يكن هناك رصيد لدفع رواتب الموظفين الحكوميين في شهر يوليو الماضي، كان لها صندوق النقد الدولي بالمرصاد، وكان الرد دائماً: “كيف نعطي الحكومة اليمنية مساعدات مالية وهي ترمي في البحر نصف هذه المساعدات من خلال دعم المشتقات النفطية..؟!”.
ما لا يدركه الكثيرون من المواطنين أن الحكومة اليمنية التزمت أمام صندوق النقد الدولي والمانحين بعمل إصلاحات اقتصادية ورفع الدعم تدريجياً منذ 1995م، وقد حصل هذا تدريجياً بمعدّل بنسبة بسيطة سنوياً، ولكن لم تكن هذه الأقساط سريعة ومجدية بما فيه الكفاية للإصلاح الاقتصادي بسبب الفساد المستشري في البلاد والإدارة السيئة للموارد سابقاًَ، طبعاً بالإضافة إلى الأزمات المتوالية التي لم تسمح لأية حكومة أن تتنفّس أو تستقر.
البرنامج الأخير لرفع الدعم لم يأتِ لوحده، وإنما أتى في إطار منظومة متكاملة تشمل زيادة في الضمان الاجتماعي تصل إلى 50 %؛ كذلك بالنسبة للمزارعين المتضرّرين بسبب غلاء أسعار الديزل فسوف يتم اعطاؤهم قروضاً ميسّرة لتحويل مضخات المياه بدلاً من أن تعمل بالديزل فتعمل بالطاقة الشمسية، وهذا استثمار جيّد وسيرجع إليهم رأس مالهم في غضون عام أو أكثر قليلاً وبطريقة صديقة للبيئة.
من المفارقات الجميلة أن اليمن والتي تعتبر دولة أقل نموّاً قد تضطرها الظروف الاقتصادية لأن تتحوّل إلى استخدام الطاقة البديلة وبالذات الشمسية في توليد الكهرباء وتصبح نموذجاً للدول الأخرى وإن كان على غرار «مضطرٌ أخوك لا بطل» وقد أعلنت الحكومة عن إعفاء جمركي على المعدّات التي تعمل بالطاقة الشمسية وهو أمر يستحق الثناء.
وفي كل الأحوال علينا أن نتعلّم من تجارب الدول الأخرى في مجال المشتقات النفطية، وجمهورية مصر العربية ليست بعيدة عنّا في هذا الشأن، حيث تم رفع الدعم عن المشتقات النفطية مؤخراً، وتم التعامل مع الأمر بمسؤولية إعلامية بقيادة رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء؛ ولكن للأسف في اليمن ترفض الجهات الحكومية مواجهة الشارع والتحلّي بالمسؤولية، وهذا خطأ كبير سيفقدها الثقة وقد يثير غضباً شعبياً عارماً عندما لا يرى المواطنون أين ذهبت المبالغ التي توفرت سابقاً بسبب رفع أسعار النفط..!!.
على الحكومة احترام منطق وتفكير الشعب وإشراكه فيما يحدث، من حقنا أن نعرف ما يدور في كواليس الحكومة وما يجب توقُّعه خلال الأشهر القادمة، وكيف ستساعد هذه الإصلاحات الاقتصادية حياتنا كمواطنين على المدى القريب والبعيد، خاصة أن هناك سلسلة من الإصلاحات الاقتصادية قادمة في مجالات متعدّدة منها الضرائب والجمارك في إطار تفعيل النظام الفيدرالي الجديد.
وأهم شيء هو أن على الحكومة مواجهة الفساد وإصدار وتنفيذ المزيد من القرارات الممتازة مثل تلك التي أصدرتها وزارة المالية بشأن نفقات المسؤولين وسفرياتهم على حساب الدولة؛ وإلا فإن ما يحدث يعتبر مثل سحب اللقمة من فم الفقير لإعطائها إلى الغني، وهذا ما لا يمكن السماح به.
yteditor@gmail.com