لم يشهد تاريخ البشرية ظاهرة طبيعية أو إنسانية محاطة كلّياً بالغموض أو الإبهام كما هو الحال مع ظاهرة ما يسمّى “الإرهاب” وحروبه ومحاربته, وخاصة الصورة المركّبة لهذه الظاهرة باسم الإسلام, التي خرجت من رحم الحرب الباردة متزامنة مع تغيُّر قواعد الصراع بين القوى الكبرى في النظام العالمي الجديد.
في البدء تم توظيف اسم الإسلام في مواجهة المعسكر الاشتراكي والتصدّي للشيوعية, ولكن هذا التوظيف تحوّل إلى حرب بالوكالة بين المعسكر الرأسمالي والاتحاد السوفيتي على الأرض الأفغانية, حين دخل الجيش السوفيتي أفغانستان في وقت تزامن مع انتصار الثورة الإيرانية في إخراج إيران من دائرة النفوذ الغربي والأمريكي تحديداً, وهنا اُستدعي الإسلام لمواجهة التمدُّد الروسي القريب من نفط الخليج والجزيرة العربية ومن المياه الدافئة في المحيط الهندي.
تحرّك المعسكر الرأسمالي وحلفاؤه العرب ضمن قواعد اللعبة الدولية المحكومة بالحرب الباردة, فنشأ عن ذلك ما عُرف بظاهرة «الجهاد الأفغاني» حيث رعت أجهزة الاستخبارات عملية حشد ودعم المتطوّعين لقتال الشيوعية في أفغانستان تحت مسمّى الجهاد والمجاهدين، ولأن نهاية الحرب الباردة تحقّقت من أفغانستان, فإن تغيُّر قواعد اللعبة ابتدأ منها بتغيُّر مسمّى الجهاد والمجاهدين إلى اسم «الإرهاب والإرهابيين» لكل العرب الأفغان أو العرب الذين تطوّعوا للقتال في أفغانستان وفي الطليعة منهم أسامة بن لادن، زعيم ما عُرف بتنظيم «القاعدة».
كانت اليمن مُسهماً كبيراً في حشد المتطوّعين للقتال في أفغانستان بحكم التأثير الديني في شمال اليمن حينها وازدهار سوق «المتاجرة بالمجاهدين في اليمن ودول الخليج» كما كانت اليمن أيضاً أكبر دولة عربية عاد إليها مرتزقة الجهاد من اليمنيين وبقية الجنسيات التي لم تجد مكاناً لعودتها غير اليمن, وتم توظيف هؤلاء في الصراع السياسي بين رئيس اليمن الموحّد ونائبه حتى نهاية حرب صيف 1994م, حينها بدأت ظاهرة الإرهاب في دخول كهف الغموض ودهاليز الأسرار..!!.
وفي الحرب الراهنة ضد الإرهاب؛ يبرز العامل العسكري معزّزاً بالعامل الأمني في سياق استراتيجية عسكرية غير مكتملة وشاملة بما يجعلها استراتيجية وطنية تحارب الإرهاب بكل مظاهره ومصادره؛ بدءاً من الغطاء العقائدي الذي يقدّمه اسم الإسلام إلى الجماعات الإرهابية، مروراً بالاستخدام الاستخباراتي، والتمويل المالي، ووقوفاً عند اجتثاث العصابات الإرهابية والقضاء على أوكار التآمر والاستقطاب, ومن هذه الاستراتيجية تظهر أهمية تجريم وتحريم الارتزاق باسم «الجهاد» في حروب المخابرات الإقليمية والدولية التي تتجدّد الآن في العراق وسوريا ومصر وتونس واليمن وتمتد إلى أفريقيا بين مالي والصومال.
albadeel.c@gmail.com
في الحرب على الإرهاب
بقلم/
عبدالله الدهمشي