يؤكد التاريخ والواقع أن حتمية الصراع كطبيعة ملازمة للاجتماع الإنساني، فرضت على المجتمعات الإنسانية وفق المسار التاريخي للتطور البشري أن تتحوّل من الطابع العنيف والمدمر إلى الطابع الإيجابي السلمي خصوصاً في المجال السياسي والصراع على السلطة.
كان مؤمّلاً، بل مستهدفاً بعد الانتفاضة الشعبية 2011م أن تصل بنا اتفاقية التسوية السياسية وعملية الحوار إلى بدايات الخروج من كوارث الصراعات المدمّرة إلى آفاق الصراع السلمي البنّاء في مجالات الاجتماع السياسي وصراعاته المختلفة, غير أن حركة الواقع السياسي منذ توافق أطراف الأزمة على عملية انتقالية مزمنة تشير إلى استمرار الطبيعة التدميرية للصراع، وإلى إضافة مزيد من العوامل المولّدة للعنف والموسعة لنطاق ومدى الانقسام وبما يهدّد المجتمع بأخطار التمزق الجهوي والفئوي، ومخاطر الانعزالية المناطقية والطائفية.
وهنا لا نرمي التهم جزافاً، ذلك أن غياب مؤشرات التحوّل من الصراعات المدمرة يؤكد استمرار ونماء هذه الصراعات, بل إن المواجهات المسلّحة وخطاب الكراهية والعنف المنتج سياسياً والموزّع إعلامياً، وقائع أخرى كلها تؤكد استمرار النزعات المدمرة للوحدة الوطنية وهويتها الثقافية والمجتمعية من خلال إثارة النعرات وعصبياتها وتبادل تهم التكفير والتخوين والتجريم وزيادة حدة وشدة لغة الكراهية والتحريض.
يبدأ الخروج من الصراعات المدمّرة عبر خطوات تعمل على صياغة رؤية وخطة لاستراتيجية وطنية تقوم على التلازم بين معالجة الماضي المورث وتأسيس المستقبل المنشود، بحيث تبدأ من العدالة الانتقالية التي تؤسس للمصالحة الوطنية، وتمهد للانتقال إلى التعايش والتسامح في نظام جامع للشراكة والمشاركة وضامن لسلمية الصراع وثبات السلام.
وحين تؤجّل القوى السياسية اليمنية في السلطة والمجتمع أولوية العدالة الانتقالية فإنها تبقي نفسية الثأر عند الضحايا وهاجس الخوف عند ولاة سلطة الحكم, وبذلك يستمر التوتر مولّداً نزعة حادة إلى تأجيج صراعات منغلقة على الهدم والتدمير وأيضاً يبتعد المجتمع وقواه السياسية عن المصالحة الوطنية الشاملة ويتأخر عن الانتقال إلى التعايش في سلام وعدل.
إن التدهور الشامل في كل مجالات الحياة العامة والخاصة هو الناتج الطبيعي للبقاء في نفق الصراع المدمّر بعيداً عن أية محاولة جادة لتجاوزه ابتداءً من عدالة انتقالية ومصالحة وطنية تؤسسان نظاماً ديمقراطياً تعددياً يضمن سلمية الصراع ويقيم مجتمع التسامح والتعايش المشترك بأمن وعدل وسلم.
albadeel.c@gmail.com