الذي يحصل في كل انعطافة تاريخية من تواريخ البشرية أن جزءاً من ثقافة الإنسان القديمة تنحسر، وجزءاً من ثقافة جديدة تتخلّق حتى ولو كان الوعاء الحامل لهاتين الثقافتين نفس الوعاء. ثقافة العرب ما بعد الإسلام هي ثقافة العرب ما قبل الإسلام، ولكن تغير مضمون الشعر وأهداف الشعر وطريقة التعبير في الشعر.
القرآن الكريم هو نقطة الانطلاق المركزية للثقافة العربية الإسلامية التي جاءت بعد الإسلام. القرآن الكريم لم يكن مشروعاً عربياً ولكنه كان مشروعاً إنسانياً موجهاً إلى الناس كافة، والحامل لهذا المشروع الكوني تمثّل في لغة القرآن «العربية».
اتسعت الآداب القرآنية بالتفسير والتأويل لكي تشمل الثقافات الواسعة في كل آسيا وأفريقيا وأوروبا.
هذا يدل على أنهم امتلكوا ثقافة إنسانية كبيرة جداً، حتى عندما نتحدث عن علم التفسير وعلم الكلام باعتبارهما محطتين كبيرتين صيغتا في عصر التدوين.. نتحدث عنهما باعتبارهما علوماً عربية إسلامية أسهمت فيها العديد من الثقافات التي كانت موجودة في العالم، الفارسية والهندية والبيزنطية وغيرها، بدليل أن جدل الكلام كان موصولاً بالرؤى الفلسفية البيزنطية الإغريقية والآداب المسيحية واليهودية على تنوعها .
مما سبق نستطيع أن نتبين الفارق النوعي بين شعر الأسلاف وشعرنا، وكيف أن الاشتغال الفائق على البيان والبديع التاريخيين كان قرين اشتغالات فكرية موازية وصلت إلى تخوم المشروع العالمي.. هذا لايعني بحال من الأحوال أن الماضي مثال يمكن استدعاؤه، لكن هذا لاينفي ميزة الماضي العربي الإسلامي الذي اقترن بفتوة حضارية ورسالية ودولتية مؤكدة، مما لاوجود له في أزمنة الرذاذ العربية الماثلة.
Omaraziz105@gmail.com