«مريوم» كانت تدرك أنها لا تقوى على استدعاء حزام العفة الغائب في متاهات الزمن، ولا هي قادرة على التحلِّي بعذرية طُـهرانية مفارقة لشبقهـا المشتعـل دوماً، ولا هي في وارد الترقِّي مع ثقافة الحرمان المُسيَّجة بغلالات ميتافيزيقية غامضة، ولهذا كان اختيارها البديل أن تلبس كومة من الخرق، مُستحيلة الخلع والتبديل، وأن تؤكد دائرية الوجود من خلال الخرق الخمس التي تتناوب الحضور في سراويلها، وقمصانها وطرحات رأسها، وأن تنظر للعالم من ثقب إبرة العين الواحدة التي تجعلها ترى ما لا يراه أصحاب العينين الجاحظتين، وأن تستعيض عن حرمان نهاراتها بمساءات المناجاة البوَّاحة التي ألهبت وجدان نسوة الحارة، وحركت غرائزهن المكبوتة وراء الجدران الناعمة لثقافة الجبر الجبري، المُسيَّج بالترهيب الحاضر، والترغيب المؤجل.
دفعة واحدة، وتكسو صدرها وبقية جسدها الرهيف الجميل بخمسة قمصان، وتغطي رأسها بخرقة ثقيلة بالية، صادرة عن أربع خرق موازية، وتغطي عيناً واحدة، لترى العالم الخارجي بالعين الأخرى، كما لو أنها مصور فوتوغرافي يحترف تسجيل ذاكرة المكان والزمان لمغالبة النسيان، واستذكار ما كان من حوادث الزمان.
«مريوم» النحيفة الرهيفة بدت في حِلها وترحالها كمشجب متحرك، يعلوه خزانة ملابس كاملة، حتى أنها كانت تترنَّح سائرة، في تأكيد مُتجدد على جمال جسدها الأهيف، وخصرها النحيل، وقامتها الباسقة، وأطرافها التي كأطراف فراشات الواحات الصحراوية النادرة.
أطفال الحارة يتسلُّون بإزعاجها، فتطاردهم بالحجارة، وهي تركض بقوة حصان أصيل، وعندما يعجز الأشقياء الصغار من مجاراتها في الماراثون الصعب، وتتمرأى لهم كطوفان من عاصف قادم، ينسلون إلى منازل أُمهاتم، ويتوارون خلف الأسِرَّة والدواليب، كما تفعل الفئران المذعورة.
Omaraziz105@gmail.com