يتوزّع حملة الأقلام وقادة الرأي العام في الوطن العربي عموماً وفي اليمن تحديداً بين فئتين إحداهما تربح الشهرة والغنى من خدمة السلطة والثروة والأخرى تربح قيمة الكلمة من خدمة المعرفة والحقيقة, فإذا كانت الفئة الأولى تخسر مصداقية القول وقيمة الكلمة, وتخسر الثانية الشهرة والمال, فإن الفئتين تخسران معاً أثر الكلمة وتأثيرها في الواقع والوقائع.
تبدو الخسارة مزدوجة لدى المخلصين للحقيقة والملتزمين بما تفتضيه من قيم وأخلاق, لأن مقاربتهم للحقيقة بصدق نسبي وأمانة مستطاعة, عجزت عن التأثير في الواقع والأحداث وخسرت المكانة والمال, في حين ربح المال والنفوذ من سخّروا كلمتهم لخدمة القوة والثروة، ولم يهتموا بتأثير الكلمة على المشهد العام.
لا أجادل هنا في الخلود التاريخي للكلمة الصادقة الأمينة ذات القيمة الابداعية الأصيلة والسمو الأخلاقي والجمال، ولكن أتعجّب من حال ربما هو الحال السائد والمشهود في أيامنا, تتساوى فيه الكلمة الصادقة بغيرها من الكلام من حيث فقدانها الأثر في الواقع أو التأثير على الوقائع والأحداث, ومع ذلك ينتفع من باع الكلمة وأهدر قيمتها وينفع من أجرها نفسه أو غيره, وبين قرين له عاد بما ينفع نفسه والأقربين, فلماذا يصرُّ بعض حملة الأقلام وقادة الرأي على بؤس يتضاعف عليهم بالعجز والعوز, ويضاعفون به العزلة والفشل؟.. أليست الكلمة المأجورة خير من كلمة مقبورة بلا أجر وأثر؟!
ليس بين الفئتين ما يعابون به وعليه, أو يذمون منه وفيه, فالجميع ضحايا سلطة عربية تزدري الكلمة وتهين المعرفة، وتعادي العلم والفكر, ولا تأبه لأهمية العلم ومحورية الفكر في صناعة القرار وإدارة الحكم وتذهب بدلاً من تقديم العلم وتبجيل العقل الى تحقيرها بثمن بخس يصرف على الكذب والرياء وعلى التزوير والنفاق لذلك يسود سلطان مغرم بالجهل محكوم بالشهوات الحيوانية التي لاحظ لها في النظر العلمي والترقي المعرفي والتفكر العقلي.
والمفارقة الأكثر إثارة للغرابة والاستعجاب, أن تكون صاحب قلم رصين ورأي صادق أمين, فيدعوك ذوو السلطة والثراء إلى حضرته ليعرض عليك ما سيغدقه من جاهٍ وثراء مقابل أن تكذب عليه وتغشه في المعارف والمعلومات وتتزلف اليه بالأكاذيب والخداع, كأنه لا يعلم أنه بمثل هذا إنما يضر نفسه ويدمّر مصالحه بأسلوب لن يجنبه كوارث الحقيقة التي أصرّ على تجاهلها والصدق الذي دفع كي لا يصل اليه, ولعل الشواهد المعاشة في أيامنا من حوادث ما يُعرف بالربيع العربي تكشف لنا كيف ساء مصير الذين غرهم الكذب والخداع فاتخذوه سبيلاً للاستكبار عن صدق القول وأمانة الكلمة.
albadeel.c@gmail.com