من الطبيعي جداً أن تكون عدن حاضنة اليمن في مثل هذه الظروف، فصنعاء العاصمة لم تعد قادرة على التمدد خارج الجغرافيا العصبية لمليشيات مقيمة في مرابع استيهاماتها الموصولة بلغة خطاب ديماغوجي يغرد خارج السرب العام للعقل والمنطق .
عدن مدينة المرايا العاكسة لأنساق المثال (بكسر الميم ) منذ أن كانت حاضنة أفقية للحركة الوطنية اليمنية بطيوف برامجها واتجاهاتها وأحلامها، وما كان لها أن تنال هذه المثابة، لولا عبقرية المكان الجغرافي وامتدادات بحارها المسيجة بأنساق الثقافات ومعاني التفاعلية الانتربولوجية ، وقدرتها الحاسمة على تذويب العصبيات الصادرة من متاهات التاريخ الخاص لمرابع القبيلة والعشيرة ، وتوفرها على جغرافيا طبيعية منفسحة.. تتأبى على شعاب الجبال والوديان الحارسة للجماعات العصبوية المليشياوية القبائلية التي كانت ومازالت العدو الأكبر للدولة والمؤسسة.
في محاضرة ألقيتها بعيد حرب 1994م التي تمنطقت راية الوحدة فيما عمقت روح الانفصال. في تلك المحاضرة بمقر وزارة الثقافة بمدينة التواهي بعدن طالبت بتحويل الهزيمة المعنوية للوطن إلى انتصار ، وقلت بالحرف الواحد بأن عدن هي المدينة اليمنية المؤهلة لمأسسة الدولة ، وأن الحكمة تقتضي نقل العاصمة إلى عدن لضمان مسار طبيعي للدولة، والتخلص من ربقة الارتهان المديد للجماعات العصبية القبائلية التي ترهن بقاء كيانها الخاص بغياب الدولة، بل وتعتبر وجودها العبثي خارج جغرافيا الدولة شرطاً أساسياً لقبولها بدولة شكلية هشة لا تعدو أن تكون نمراً من ورق.
ماحدث في صنعاء برهان ساطع على ذلك، وهو ليس بعيداً عن المآلات التاريخية لهذه المدينة اليمنية الجميــلة التي عانت الأمرّين من الحصار الجغرافي للعصبيات المشوهة بثقافة الفيد والغنيمة، حتى أن الإمام أحمد ابن أحمد حميد الدين قال عنها كما يروى إنها مدينة للآثام، وقرر بعدها نقل العاصمة إلى تعز.
فلتكن العاصمة أي مدينة يمنية ساحلية تنعتق من آثام الجغرافيا الجبلية القاسية، وتغتسل برحمة البحار المفتوحة على أربع قارات العالم، ولا أرى شخصياً مثالاً لهذه العاصمة يرقى إلى مستوى عدن. ألا فلتبقَ الوحدة اليمنية الفدرالية الجديدة، مقرونة بعاصمتها الجديدة عدن.
Omaraziz105@gmail.com