البعض يتساءل عن ماهية الفلسفة، خاصة أن هذا المصطلح يختلط في الذهن باستنسابات مفاهيمية تذكّرنا بما كان عليه الحال في أوروبا القرون الوسطى عندما كان مصطلح الفلسفة قرين التجديف والضلالات، وهذا ما حصل أيضاً وفي أُفق ما في ثقافة الكلام العربية الإسلامية التي اعتبرت الفلسفة نقيضاً للشريعة، باعتبار أن المُتفلسف يتجاوز حدود النص الديني في مقارباته واجتهاداته.
والحقيقة أن مصطلح الفلسفة جاء أساساً من أعطاف الثقافة الإغريقية الأبيقورية «نسبة إلى فيلسوف التأمل أبيقور» وعنى المصطلح «حب الحكمة».. تالياً كثرت التعريفات والمقاربات ومن أطرفها وأكثرها مُحايثة لمفهوم الفلسفة تعريف الفيلسوف الألماني «هيغل» الذي يعتبر الفلسفة ضرباً من التفكير في الفكر, وهو بهذا المعنى يعتبر الفلسفة فكراً على فكر، تماماً كما نقول في معرض قراءتنا الاسترجاعية للشعر العربي «قول على قول» تأسياً بالرائع المرحوم حسن الكرمي.
والحقيقة أن التفكير في الفلسفة ليس مقطوع الجذر عن القوانين الموضوعية التي تحيط بالإنسان، كما أنه ليس مقطوعاً أيضاً عن الرؤى الغيبية «الميتافيزيقية» المسطورة في الأديان، ولهذا السبب انقسم معسكر الفلسفة الغربية العتيدة إلى ماديين وميتافيزيقيين.. الماديون استأنسوا بالقوانين الموضوعية وحاولوا بناء رؤاهم وفق مقتضياتها، والمثاليون «الميتافيزيقيون» اعتمدوا على المشيئة السابقة على الفكر والتفكُّر، والمودع في رقوم الغيوب الإلهية.
الصراع بين الطرفين لم يكن صراعاً فكرياً بحتاً كما يتخيّل الكثيرون، بل كان صراعاً مُجيراً على مقتضيات دنيوية مصلحية، واعتبارات سياسية مؤكدة، ولهذا السبب حاول كل طرف رمي الآخر بالتُهم، ففيما قال المثاليون إن الماديين ملاحدة، قال الماديون إن المثاليين منظرو السُلطتين الإقطاعية والبرجوازية، ومع الأيام تبيّن أن الفكر المحض لا قبل له على مُغالبة الحقائق الدنيوية؛ بدليل أن الفكر المادي الفلسفي وقع في قبضة الاستالينية.
وبهذا فقد الفكر المجرد نقاءه وطوباويته، وفيما يتعلق بواضعي قوانين الوجود وفق مقتضيات الأديان سنرى أنهم جميعاً وقعوا في قبضة الدين السياسي المفارق جوهرياً لنقاء وطهرانية الأديان.