قد يكون ميسوراً للمعنيين بالأزمة الراهنة في اليمن القول إنها كانت محكومة بين خيارين لا ثالث لهما: إما الحرب, أو التسوية السياسية, لكن من العسير بعد ذلك حتى على أصحاب القرار من أطراف الأزمة, تحديد توقيع محتمل لترجيح أحد الخيارين, أو تصوّر متخيّل لمسار ومآلات كلا الخيارين أو أحدهما على وجه التوقع والاحتمال.
لا غرابة في أمر هكذا, لأن تشابك وتداخل تعقيدات الأزمة الراهنة لا يقتصر على مواقف وعلاقات أطرافها, بل يمتد إلى كل طرف على حدة, بما يخصّه من تحدّيات الحسم مع الآخرين بحرب أو حوار, فالحوثيون لا يملكون قوة الحسم العسكري، ولا يقبلون أية تسوية لا تتفق مع ما يرونه سقفاً أعلى لثورة يدعونها وشعب يتحدثون باسمه, والرئيس هادي يصعب عليه العودة إلى عاصمة غادرها سرّاً, أو بسط سلطانه من عاصمة استعاد منها رئاسة الجمهورية, وكذلك هو حال بقية القوى.
ومما يضاعف تعقيدات الأزمة الراهنة هو غياب التحالفات الواضحة لأطراف الأزمة, وخاصة بين قطبيها: الرئيس هادي وجماعة الحوثي, على الأقل في الصورة التي كان بها الانقسام محدداً وواضحاً بين الرئيس السابق علي عبدالله وخصومه في أزمة العام 2011م, حيث تبعثرت قوى الصراع على الأرض وفي المجال السياسي داخلياً ودخلت أزمة استقطاب جاد بين السعودية وإيران خارجياً, حتى أن المكونات السياسية خرجت من تحالفها في اللقاء المشترك, وتفرّقت في تكتلات جديدة, وبهذا أصبحت القوى الفاعلة في الأزمة مؤتلفة فقط في المواقف ضد بعضها أو مختلفة في تفاصيل الحوار المفتوح بغير قضية أو إطار.
وفي ملامح مشهد كهذا الذي تتركّب صورته للأزمة اليمنية الراهنة, ينفتح خيار المستقبل على احتمال ثالث, حيث الانهيار مآل للأزمة إذا عجزت أطرافها عن الحسم المتاح لها بحرب أو حوار, حيث من المحتمل أن تنشأ على الأرض سلطات مستقلة عن السلطة المركزية المنقسمة بين صنعاء وعدن, وتظهر على الواقع إمارات أقرب إلى العصابات وإمارات الحرب, ومالم تبادر القوى السياسية, وتحديداً جماعة الحوثي إلى تقديم تنازلات جدية تنهي الانقسام الراهن عبر تراجعات فعلية عن كل ما أحدثوه في الدولة والمؤسسات بقرار منفرد وبقوتهم المسلّحة, على أن تُقابل هذه التنازلات بتفهم القوى الأخرى, وتحديداً الرئيس هادي وباستجابة تجعل التسوية ممكنة على الأساس الوطني الجامع وبمرجعية ما توافق عليه اليمنيون في مؤتمر الحوار الوطني الشامل.
albadeel.c@gmail.com