في نوفمبر 2011م , انتخب الشعب العربي في تونس مجلساً تأسيسياً حددت مهمته بصياغة دستور تونس الجديد , وتعيين حكومة مهمتها إدارة المرحلة بما يضمن إجراء الاستفتاء على الدستور الجديد ثم اجراء انتخابات بمرجعيته في كل البلاد. انقضى العام الأول دون انجاز المهمة , ويكاد العام الثاني ان يكتمل دون مقاربة هذا الانجاز بنجاح ممكن أو محتمل , وفي ظل أزمة متفاقمة بين ائتلاف المجلس التأسيسي ومعارضيه , تبدو الأوضاع محفوفة بمخاطر الانزلاق الى المجهول , والخروج التام عن وعود “ الربيع العربي “ الذي افتتحته تونس بامتياز.
أساس الأزمة وأسها يكمن في تحويل مهمة المجلس التأسيسي من صياغة الدستور الى ممارسة الحكم من قبل التحالف الثلاثي الذي تتزعمه حركة النهضة , فتحول المجلس التأسيسي الى سلطة تشريع والحكومة الى سلطة حكم تعيد صياغة مؤسسات السلطة وفقاً لمصالح التحالف , ومساعي أطرافه ومنهم النهضة الى الاستيلاء على مفاصل وهيئات مؤسسات السلطة العامة في البلاد.
البدء من الانتخابات قاد الى بروز منطق الاستقواء بأغلبية عددية نالتها حركة النهضة من نتائج الاقتراع , وهو منطق رغم توجه النهضة الى تهذيبه بإجراءات توسيع المشاركة , عمل على تعزيز الانحراف عن المهمة التأسيسية للدولة التونسية الجديدة الى ممارسة الحكم كأمر واقع , وكان مفروضاً , التوافق بين القوى السياسية على فترة مؤقتة بعام أو عامين لصياغة الدستور الجديد والتأسيس لمستقبل الحكم الرشيد بالتوافق والحوار .
من الواضح ان حركة النهضة وشركاءها في السلطة الحاكمة قد فشلوا في انجاز المهمة , وفقدوا شرعية الاستمرار , وعليهم الاعتراف بذلك , والانتقال السريع الى مرحلة أخرى , تقوم على التوافق , وتعمل خلال الحوار الشامل على صياغة الدستور الحديد والانتقال الى مرجعيته لإجراء الانتخابات.
الاستناد الى مزاعم ائتلاف الحكم عن الشرعية والانتخابات , والقاعدة الشعبية الكبيرة لن يغير من واقع الفشل الظاهر ليس في تجاوز الفترة الزمنية وحسب , ولكن في الانحراف عن مهمة التأسيس الى ممارسة الحكم والاستيلاء على السلطة , وهو ما لم يكن محل التفويض الشعبي في انتخابات نوفمبر 2011م , فهل تعي السلطة هذا الفشل ؟!
albadel.c@gmail.com