تصدَّى المفكّر المغربي الراحل محمد عابد الجابري لتحليل النزعات العقلية في الفلسفة العربية الإسلامية من خلال فرق الكلام، وفي مقدمتهم المعتزلة، وحاول من خلال تتبعه التاريخي المعرفي والذوقي، تسليط الضوء على محنة العقل العربي، رائياً للبُعد الوجداني الغنائي السائد في منطق التفكير العربي، وناشراً ظلالاً من الاستعادات المستقبلية لتلك الجذور البهيجة في ثقافة الكلام التاريخية العربية الاسلامية، معتداً على وجه الخصوص بالنزعة الرشدية العقلانية.
الجدير بالذكر هنا أن الجابري كان أول من كشف جوهرياً القيمة الاستثنائية لابن رشد في ثقافتنا التاريخية، كما كشف وجه التفاصل والتواصل بين ابن رشد والإصلاحي الكنسي مارتن لوثر الأول، ناظراً لكونهما صادرين عن رؤية واحدة، ومختلفين في آن واحد؛ ذلك أن ابن رشد بحث علاقة التكامل بين الفلسفة والشريعة من خلال الاشتراط المسبق لوحدة المقاصد فيهما، لكن مارتن لوثر الأول قرّر أن مقاصد الفلسفة والشريعة واحدة جبراً لا خياراً، ومن هنا يمكننا إدراك متوالية الاستطراد العملي على مرئيات لوثر في الثقافة الكنسية البروتستانتية من جهة، كما للثقافة الكنسية الكاثوليكية لاحقاً، وهو الأمر الذي مهَّد لثقافة السؤال الشكِّي، والمنطق المادي البرهاني، والاعتماد القَبْلي« بفتح القاف وتسكين الباء» على العقل المجرد في قراءة الظواهر، والاستبعاد الإجرائي للميتافيزيقا الكنسية الحاملة لجواب ناجز لكل سؤال محتمل.
وما دمنا بصدد الجابري ومساهمته الاستثنائية في إثراء المنطق الرشدي في ثقافتنا التاريخية، فلا مناص من الحديث عن الجدل الخلاق الذي جرى بين ابن رشد والغزالي، والذي يمكن استقراء بعض آفاقه في رسالة ابن رشد الدالة بعنوان«فصل المقال فيما بين الحكمة والشريعة من اتصال»، وهذا يستدعي المزيد من مواصلة الحديث.
Omaraziz105@gmail.com