أنا أفهم ما لا تفهم وأنت تفهم ما لا أفهم .. بهذه العبارة يُلخص المفكر الراحل محمد عابد الجابري خلافه مع الرأي الآخر، بما يذكرنا برحابة الإمام الشافعي، وسعة صدر الإمام الغزالي، والروح الفلسفية لابن رشد.
المفكر الراحل محمد عابد الجابري يمثل المحطة الأقصى في التنوير والترشيد للفكر العقلي النابع من تاريخ الكلام، فقد تصدَّى الجابري لتحليل معنى الاشتباك التاريخي بين العرب وتاريخهم من جهة، كما بين العرب والآخر الإنساني من جهة أُخرى، من خلال تتبعه الراصد، ومقارباته الفكرية المنهجية، واستناده الرصين إلى ابستمولوجيا المعرفة، مُتصدياً لجدل الكلام الذي ملأ الدنيا وشغل الناس على مدى تاريخنا الطويل.
وقد أسهم الجابري بقدر وافر من الكتب والدراسات والمقالات التي لم تنقطع حتى أواخر أيام حياته العامرة بالعطاء، وأذكر أن كتاباته الاسبوعية في جريدة “الاتحاد” بالإمارات العربية المتحدة التي سطرها قبيل وفاته واكبت مشقة البحث في أخطر وأشق العلوم الدينية المقرونة بالنص القرآني، متصدياً فيها لتفاصيل تلك العلوم، وكاشفاً لأبعاد جديدة، من خلال الاستعادات الوامضة، المقرونة بقدر كبير من التؤدة والاستسبار. ولو لم يكن القضاء المحتوم وافاه بالأجل، لكنا الآن أمام مساهمة كبرى في هذا الفرع المعرفي الإشكالي المتصل بكامل العلوم النابعة من الشريعة الإسلامية، فالمعروف أن القرآن الكريم هو النبع الصافي لعلوم التفسير والتأويل والكلام، واجتهادات الفقهاء والفرق المختلفة، بل إن ذلك النبع الصافي تساوق مع روافد التفسير والتأويل والترجمة، ومع العلوم الإنسانية القادمة من منابع يونانية وهندية وفارسية، الأمر الذي ظهر جلياً عند جابر ابن حيان والكندي وابن رشد والغزالي، وغيرهم، وللحديث صلة.
Omaraziz105@gmail.com