لا نبالغ إذا قلنا إن اليمن تقف أمام منعطف تاريخي. وبعد ثلاث سنوات تقريباً أن الأوان للقوى الحية أن تراجع ما يجري على الساحة الوطنية وأن تنظر في المرأة، وتتخذ قراراً لصالح الوطن تساعده على التقاط أنفاسه، لكي تبدأ عملية البناء السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي. ولست بحاجة للقول إن الغالبية من المواطنين قد عولوا على مؤتمر الحوار واعتقدوا أن مخرجاته ستحدد ملامح ومستقبل النظام السياسي وكذلك طبيعة وشكل والدولة ومع الأسف إن القوى السياسية لم تلتفت للطموحات الشعبية وغلبت الصراع على الحوار والمصالحة ـ إضافة إلى ذلك فإن الإعلام سار بنفس مسار القوى السياسية وركز على ما هو سطحي بل وغذى ثقافة الكراهية وحاول الترويج للفوضى ومشاريع التقسيم وسقط في بؤرة الانشغال بالشائعات وتبادل الاتهامات وانتصر للمصالح الحزبية على حساب المصالح الوطنية. ولم يكن الحوار رغبة للخروج من الأزمة بقدر ما كان ساحة للإقصاء والتحريض.. وفي كل يوم كان يمر على المتحاورين كان يزداد عدد الفقراء ويزداد عدد الأطفال الذين يتركون مدارسهم وتزداد وتيرة الفساد، فقد زاد عدد الفقراء في 2011 من حوالي 22 % من السكان إلى حوالي 30 %، كما ارتفع مؤشرالفساد من 161 ٪ الى 166 ٪ خلال الفترة نفسها وتقوقع اليمنيون في بيوتهم خوفاً وذعراً من الأمن المهدد، والاغتيالات والشوارع والطرق المقطوعة، وذيوع الجريمة المنظمة. برغم كل ذلك فإن أطراف الصراع السياسي لم تعد تبالي بما سيسفر عنه الحوار، خاصة وأن أغلب هذه الأطراف رهنت الوطن للوصاية ولا يخفى على أحد بأن أغلب هذه القوى السياسية لم تكن تراهن على أن مخرجات الحوار ستتحدد وفقاً للتوافق المحلي، فهي تدرك أن الحوار ليس سوى ضجيج إعلامي ربما يضفي مشروعية وطنية على مخرجات الحوار التي حددت أو رسمت من قبل أطراف إقليمية ودولية. ومما لاشك فيه أن الأطراف المنضوية في مؤتمر الحوار قد سارعت إلى تحقيق مكاسب على الأرض قبل أن يختتم مؤتمر الحوار جلساته. فعلى سبيل المثال استبق محمد علي أحمد مخرجات الحوار بالهروب إلى استخدام ما أمكن من السياسة لبسط نفوذه في الجنوب وهو المشروع الذي اتفقت عليه قيادات جنوبية يهدف إلى تدمير المحافظات الشمالية وإغراقها بالنزاعات وسحب كل مقدراتها لبناء الجنوب، ثم ترك الشمال لمصيره والاتجاه نحو الجنوب لفك الارتباط، أما الإخوان المسلمون فقد حققوا طموحهم في السيطرة على أغلب مفاصل الدولة وكذلك الجيش والأمن وهم ينزعون إلى حكم الشمال مسلمين بأن الجنوب لن يكون تحت سيطرتهم في إطار مخرجات الحوار التي ستذهب نحو الفيدرالية أو الدولة الاتحادية. ويسعى الإخوان إلى ذلك من خلال إضعاف المؤتمر الشعبي العام بوصفه حزباً يمتلك شعبية جماهيرية ستكون سداً منيعاً أمام طموحات الإخوان. وقد تمكنوا من الحصول على أغلب القرارات المتعلقة بالتعيينات تحت ذريعة تنفيذ المبادرة الخليجية، ومن بقي من عناصر المؤتمر تم التحريض عليهم عبر المظاهرات والحملات الإعلامية. لهذه الأسباب يصر الإخوان على ضرورة أن يتخلى الرئيس السابق عن رئاسة المؤتمر الشعبي العام والعمل السياسي بل والدعوة لإخراجه من البلاد لمعرفتهم بقدرات صالح وحضوره الجماهيري وعلاقاته الكبيرة بالشخصيات الاجتماعية ودهائه السياسي.
ولم يتوقف الإخوان عند المؤتمر الشعبي بل تجاوزوه إلى جماعة الحوثي التي تمتلك عقيدة قتالية تضاهي عقيدة الإخوان. والتحرش بالحوثي يحقق مكاسب كثيرة للإخوان منها اصطفاف إقليمي معهم ومدهم بالأموال إضافة إلى تجييش الجهاديين ضد الحوثيين. من كل ما سبق ولكي تحقق تلك الجماعات مآربهم فإنهم يسعون إلى:
1ـ استخدام الحكومة لضرب جماعة الحوثي وإدخال دول الجوار في النزاع وابتزازها لدعمهم بالمال.
2ـ إضعاف جماعة الحوثي ومحاصرتهم في صعدة ومنعها من التمدد.
أما المؤتمر الشعبي العام فهو لا يملك رؤية استراتيجية حتى هذه اللحظة وكل المكاسب التي يحققها لا تعود لفضل قياداته بقدر ما تعود إلى أخطاء خصومه التي تزيد من رصيده الجماهيري. لم يستفد المؤتمر من شعبية رئيسه في إعادة ترتيب صفوفه التنظيمية. كما لم يستفد من خروج كثير من عناصر الفساد ورفعهم شعار الثورة، وعلى هذا الأساس مازال المؤتمر الشعبي العام غير قادر على تقديم مشروع سياسي يستوعب المتغيرات.أخيراً يمكن القول إنه لا يمكن الحديث عن العدالة الاجتماعية في الوقت الذي لم يعد لدى الشعب ما يوزعه. ويصبح من قبيل الضحك على الذقون الحديث عن الكرامة الإنسانية ليس فقط لأن الكرامة لا تتوافق مع زيادة الفقر، ولكن الأهم مع تراجع مكانة اليمن نتيجة الضعف والهوان الذي ظهر في إفلاس خزينة الدولة وضرب أبراج الكهرباء وأنابيب النفط ومحاولات جماعات القتل استباحة دماء اليمنيين. ولا أبالغ إذا قلت إن كل ذلك يجري على يد بعض الجماعات الدينية ومن تحالف معهم لزعزعة الاستقرار في البلاد، فهؤلاء قرروا شن الحرب على الوطن ومحاولاتهم شل الجامعات اليمنية وشد البلاد إلى الوراء. المصيبة الكبرى أن معدل تراجعنا أصبح متسارعاً، ولم يعد هناك من اهتمام في المجال الاقتصادي سوى الحديث عن توزيع الثروة، لكن خلق الثروة والاستخدام الجيد لها فهو حديث منسي.إن الإخوان سيجعلون اليمن تواجه نفس الموقف الذي واجهه الألمان عام 1933م، عندما اعتلى النازيون سدة السلطة، وقادوا البلاد إلى الدمار، وإذا أردنا أن نتجاوز ذلك فعلى القوى الحية أن تنهج نـهج القوى الديمقراطية والمدنية في دول العالم المتقدمة لكي تستوعب التطورات الجارية في عالم اليوم.