لا أفهم على وجه الدقة من تلويح الأخ محمد سالم باسندوه، رئيس الوزراء - في تصريحات صحفية نشرت له مؤخراً - بالكشف عن ملفات فسـاد لم يسمها ولعـل التساؤل المطروح هنا عن الأسباب التي تحول دون الكشف عن هذه الملفات وأصحابها وإحالة المتهمين فيها إلى القضاء لينالوا جزاءهم العـادل.
وكمـراقب، ما كنت أرضى لشخصية الأخ رئيـس الـوزراء الاكتفاء بمجرد التلويح بالتهديد فقط تجاه قضية بمثل هذه الخطورة، لأن ذلـك يعني أحـد أمرين، فإما أن تكون هذه الملفات قد طالت شخصيات لا يستطيع معها الأخ باسندوة الكشف عن أسمائها وحجم ونوعية تلك الصفقات أو أن تكون هذه التصريحات في إطار سياقات الاستحقاقات الراهنة، خاصة تلك المتعلقة بالخطوات التي سيتم على ضوئها تشكيل الحكومة الجديدة لتتولى مسئولية تنفيذ مخـرجات الحوار الوطني الشامل.
وأياً تكن الأسباب التي تقف وراء اكتفاء الأخ رئيس الوزراء بالتهديد بالكشف عن قضايا فساد دون اتخاذ خطوات عملية لترجمة هذا التهديد، إنما يرجع ــ في تقديري الشخصي ــ إلى ما يعتمل داخل مكونات بعض القوى السياسية والحزبية التي ستشارك في الحكومة المقبلة، فضلاً عن احتمالات وجود تباينات داخل هذه المكونات في إطار اختيار الشخصيات القيادية التي ستمثل هذه الأحزاب في المفاصل الأساسية للدولة.
ربما لا تكون استنتاجاتي دقيقة لكنها في الواقع تشير إلى إشكالية أزلية في تعامل القيادات الحكومية مع هكذا ملفات وهو أمر يجعل من المراقبين في موقف التساؤل عن الدوافع التي تجعل رأس السلطة التنفيذية يحتمي وراء التصريحات الصحفية للتلويح بكشف ملفات الفساد والتهديد بفضح أصحابها وفي هذا التوقيت تحديداً دون الإعلان عنها واتخاذ الاجـراءات القانونية إزاء مرتكبيها.
في اعتقادي المتواضع أن ما يريده المواطن هو الشجاعة في فضح تلك الصفقات وغيرها من عمليات الفساد ومحاسبة مرتكبيها دون خوف أو تردد باعتبار أن ذلك يجعل من هذا المسئول قدوة تُحتذى، بل ومحط اعتزاز وتقدير، فضلاً عما تقتضي المرحلة من الصدقية والمكاشفة وعلى قاعدة من الشفافية شريطة أن تأتي هذه المواقف على خلفية المصلحة العامة وبأن لا تكون مجرد تصفية حسابات أو بمثابة أوراق ضغط، إذ لم يعد الوطن يتحمّل أعباءً مثل هذه الرهانات والحسابات ، ذلك أن الرأي العام ينتظر من الحكومة المرتقبة أن تتصدى لكل ظواهر الفساد بالحزم والشدة وأن تحيل كل الفاسدين إلى القضاء مهما كانت مواقعهم وخلفياتهم وأن لا تكتفي بما عهدناه عن الحكومات السابقة بالتغاضي عن هذه الظواهر السلبية أو الاكتفاء بدور الزوج المخدوع.