حالة التحفّز المقرونة باستقطاباتها غير الحميدة مازالت سيدة الموقف على مستويات مختلفة، هذا وقد اختلطت الأوراق بطريقة غير مسبوقة.. لكن هذا لا يخلّ بالحقيقة الشاخصة حول الفرز الدلالي المعنوي والسياسي الذي يقسم البلاد إلى مستويين متعارضين.. يتمثّل المستوى الأول في الغالبية العظمى من الجماهير التي تدفع ثمن الاستقطاب والمكايدات ونشر ثقافة الكراهية، فيما يتمثّل المستوى الثاني في حفنة المنتفعين المقيمين في متاهات أوهامهم ومصالحهم الضيقة. وقد علّمنا التاريخ أن الانعكاسات الكبرى في حياة الشعوب لا تسير على نحو كرونولوجي بسيط، بل على نحو أكروباتي دائري، حتى إن الماضي يبدو ظاهراً في الحاضر ،غير أنه ينحسر بقوة دفع التاريخ ونواميسه العصيّة على الناظرين لما لا يتجاوز أنوفهم.
اليوم ينبري الاستحقاق الأكبر من خلال الخيار الأصعب والأصوب في آنٍ واحد. خيار الذهاب بعيداً في استعادة الدولة المغلوبة على أمرها، ودفع الثمن الناجز لهذا الخيار، علماً بأن القوى الحية الرائية لمثل هذا الخيار ستنكسر إن لم تباشر بتفعيل الاستحقاق، وحينها سيصنع الشارع بدائله الأعتى والأقوى من الصروح الكرتونية التي تخيفنا برغم كونها نموراً من ورق.
الرجوع إلى التاريخ القريب والبعيد يكشف لنا أن استحقاق الزمن يتجاوز المألوف والمعروف، وأن ماكان مستساغاً بالأمس القريب لم يعد مقبولاً اليوم، فالوطن اتسع باتساع جغرافيته المكانية والزمانية، والأجيال انعتقت من ربقة الولاء والبراء الدائمين، والعارفون لم يعودوا رهن فقه الضرورة، بل فقه المستقبل واستتباعاته الواضحة حد الوضوح.
Omaraziz105@gmail.com