تتسارع الأحداث في شبه جزيرة القرم، ويتبارى فرقاء الساحة في إظهار مزاج مُتطير نحو التصادم غير الحميد، فيما يراقب الغرب السياسي الموقف من مسافة بعيدة، وفي ذات الوقت تعود أوراق الأزمة الاقتصادية الأوكرانية لتضع نفسها على مائدة الحقيقة، فأوكرانيا بحاجة عاجلة وماسة إلى ما لا يقل عن 35 مليار دولار، حتى يتسنَّى لها مواجهة الاستحقاقات الملحة، والولايات المتحدة تعد فقط بمليار دولار لإسعاف الوضع، فيما تستخرج روسيا من اضبارة الضغط القاتل فاتورة النفط والغاز المستحقة على أوكرانيا، وهي فاتورة ثقيلة بثقل المليارات. ومن على بُعدٍ بعيد يلوح البنك الدولي بقروض مشروطة لا تقوى أوكرانيا على ابتلاع استحقاقاتها الثقيلة, ومن على بعد قريب تنجلي مرارة التجربة الرومانية مع الاتحاد الاوروبي، وكيف أن رومانيا المُستجيبة لروشتات الاتحاد الأوروبي انكشفت داخلياً، لتصبح مصدر عمالة رخيصة، وبيع شامل للروافع الاقتصادية الذاتية، التي وصلت ذات يوم إلى حد الاكتفاء الزراعي والصناعي والخدماتي.
تنتصب كامل هذه الأسئلة القلقة أمام الانتلجنسيا السياسية الأوكرانية الراشدة، وبنفس القدر تندفع الجماهير العفوية صوب البحث عن المثال الطوباوي المفقود، متوهمين أن النموذج الأوروبي الغربي هو جسر الانتقال نحو الفردوس المفقود.. وبنفس القدر تتقافز الأمزجة القومية الاستيهامية، ودوائر اليمين العامِّي، لتمثل محنة إضافية يدفع ثمنها الأوكرانيون من مختلف الأعراق.
ما زال في الوقت متسع ليراجع فرقاء «كييف» أوراقهم، فالكرملين بالانتظار، وجاهز للحلول، ما لم فالمصير الجورجي أقرب مما يتوقعه المراقبون، والمبررات الروسية جاهزة، والسيناريو المتوقع لن يختلف جوهرياً عن سيناريو أبخازيا وأوسيتيا الجنوبية.